أصل التوحيد
التوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم هو معرفة الله بأسمائه و صفاته و أفعاله ، و توحيده بذلك ، و إفراده بالعبادة التى شرعها بواسطة رسله.
فالله خالق كل شئ ، و بيده أمر كل شئ ، و له ملك كل شئ ، و عنده خزائن كل شئ . خلق الكائنات و حركاتها .. و خلق العباد و أفعالهم .. و خلق الثواب و العقاب .
فهو الذي وفق العبد للإيمان و العمل ثم أثابه عليه ، و وفقه للتوبة ثم قبلها منه ، و وفقه للدعاء ثم أجابه :
"يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "
(الحجرات / 17 )
و ما شاء الله كان و مالم يشأ لم يكون أبدا ، ولا يكون شئ في ملكه إلا بإذنه و مشيئته و علمه . و الله وحده تفرد بالخلق و الأمر ، و الملك و السلطان ، و الهداية و الإضلال ، و الإنعام و الإحسان ، و الأسماء الحسنى و الصفات العلى ، و المثل الأعلى :
" وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ "
(البقرة / 163)
و جميع أفعال الله و أحكامه وقعت منه سبحانه على وجه الحكمة و العدل و الرحمة و الإحسان فهو الهادي الذي يهدي من يشاء بفضله ، و يضل من يشاء بعدله ، و هو أعلم حيث يجعل رسالته و هدايته :
"وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "
(النحل / 93)
و الله عز و جل رؤوف بالعباد ، يهدي إليه من جاهد للوصول إليه ، و لم يطرد عن بابه و لم يبعد عن جنابه من يليق به التقريب و الهدى و الإكرام :
"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ "
(العنبكوت / 69 )
و إنما طرد من لا يليق به إلا الطرد و الإبعاد و الإهانة بعد قيام الحجة عليه ببيان الحق له ، و ترغيبه فيه ، و تحذيره من الباطل ، و ترك بعد ذلك الاختيار له :
"قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى"
(طه / 123 : 126)