الأئمة الأربعة كانوا على مذهب السلف من الإثبات
الأئمة الأربعة كانوا على مذهب السلف من الإثبات[1]
لم يختلف قول الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمة الله عليهم جميعا عن قول سائر السلف في إثبات صفات الله تعالى على حقيقتها اللائقة بعظمته سبحانه كما نقله عدد من المحققين . قال المحقق الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
المذهب الذي يسلم صاحبه من ورطتي التعطيل والتشبيه هو مذهب سلف هذه الأمة من الصحابة والقرون المشهود لهم بالخير وأئمة المذاهب وعامة أهل الحديث ، وهو الذي لا يُشك أنه الحق الذي لا غبار عليه ، وضابطه مجانبة أمرين : وهما التعطيل والتشبيه . فمجانبة التعطيل هي أن تثبت لله جل وعلا كل وصف أثبته لنفسه ، أو أثبته له نبيه ^ .. ومجانبة التشبيه هي أن تعلم أن كل وصف أثبته الله جل وعلا لنفسه أو أثبته له رسوله ^ فهو ثابت له على الوجه البالغ من كمال العلو والرفعة والشرف ما يقطع علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:4] .[2]
وقد ورد عن الإمام أبي حنيفة من طرق تكفير من نفى أن الله في السماء ، قال : لأن الله تعالى يقول : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه : 5] وعرشه فوق سمواته [3].
وثبت عن مالك أن الله في السماء وعلمه في كل مكان .[4]
وعن الإمام الشافعي : القول في السنة التي أنا عليها ، رأيت أهل الحديث عليها ، الذين رأيتهم مثل سفيان ومالك وغيرهما : الإقرار بشهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله – وذكر أشياء – ثم قال : "وأن الله فوق عرشه في سمائه، يَقْرُب من عباده كيف شاء ، وينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء". وذكر سائر الاعتقاد.[5]
وأما أحمد بن حنبل فالنقل عنه في هذا كثير . بل له كتاب "الرد على الجهمية" الذي بيّن فيه معتقده الموافق لما عليه الصحابة والتابعون من إثبات صفات الباري جل وعلا على ما يليق بجلاله .
ومنه ما نقله ولده حنبل حيث قال : سألت أبا عبد الله عن معنى ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ [الحديد :4] و ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة :7] فقال : علمه محيط بالكل ، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة .[6]
------------------------------
[1] لمزيد من معرفة عقيدة الأئمة الأربعة السلفية راجع : كتاب أصول الدين للأستاذ أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي (1/313) وإيقاظ همم أولي الأبصار لصالح الفلاني (ص50) وتاريخ أهل الحديث للدهلوي (ص35-43).
[2] رحلة الحج إلى بيت الله الحرام للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، دار ابن تيمية ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص 63.
[3] كتاب العرش ، ص70-71 ، ولكن يعجبني قول الذهبي في ترجمة قتادة وقد ذُكر عنه القول بالقدر فقال الذهبي رحمه الله : ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ، وبذل وسعه ، والله حكم عدل ، لطيف بعباده ، ولا يُسأل عما يفعل ..الخ كلامه الجميل رحمه الله رحمة واسعة (سير أعلام النبلاء 5/271) . وقال بعد أن نقل أقوالا تفيد ثبوت هذه البدعة عن قتادة : قد اعتذرنا عنه وعن أمثاله ، فإنِ اللهُ عذرهم فيا حبذا ، وإن هو عذبهم فإن الله لا يظلم الناس شيئا ، ألا له الخلق والأمر . (سير أعلام النبلاء 5/277) .
[4] كتاب العرش ، ص71.
[5] إثبات صفة العلو لابن قدامة رقم 108 ، وكتاب العرش للذهبي ص89 . وانظر ترجمة الإمام الشافعي أيضا في سير أعلام النبلاء 10/79.
[6] أخرجه اللالكائي في شرح أصول السنة 3/160-161 ، وأورده الذهبي في كتاب العرش ص97 وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص201.