المبحث الثاني: التجديد الفطري وقضايا العمران البشري
ليس المقصود بالعمران في اصطلاح هذا الكتاب هو تخطيط البناء المادي وهندسته فحسب، كلا! وإنما المقصود به هندسة المذهبية الحضارية الكامنة في الإنسان. التي كان بمقتضاها كما كان.
العمران إذن: هو بناء الإنسان، بما هو عقيدة وثقافة، وبما هو حضارة وتاريخ، وبما هو فكر ووجدان، وبما هو نفس ونسيج اجتماعي.
وكما يكون فكر الإنسان وتصوره للحياة؛ تكون عمارته المادية. فالمادة في هذا تبع للفكر. وكما كانت بعثة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تقوم على نظام أولويات؛ فكذلك كل بعثة تجديدية يجب أن تقوم على ذلك النظام من الأولويات، بلا حرفية ولا ظاهرية، وإنما بمنهجية مقاصدية؛ حفاظا على سر الإرث النبوي، وطلبا للصواب في المنهج، ورغبةً في استجابة النتائج بإذن الله.
ودور الجيل الجديد اليوم هو تجديد ذلك العمران، بدءا بتجديد الإنسان ككيان، حتى تجديد السلطان كمفهوم.
الإنسان هو أهم عناصر العمران، وأول مرتكزاته. فهو الذي يعطي للبناء معناه العمراني. وقصده الكامن فيه هو الذي يجعله مسجدا أو خمارة! قال عز وجل: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)(التوبة:18). الإنسان إذن؛ هو أساس العمران. ولذلك كان محل خطاب الرحمن بالقرآن.