ردود على شبه وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
ردود على شبه وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
وأما ما يستدلون به من تفسير ابن عباس لقوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذاريات : 47] أنها بقوة ، فهذه الآية قد قال كثير من المفسرين إنها ليست من آيات الصفات، وابن عباس لا ينفي عن الله سبحانه اليد التي أثبتها لنفسه وإنما يقول إن هذه الآية معناها هكذا وهو تفسير مقبول من حَبْرِ الأمة t.[1]
فهل قال ابن عباس مثل ذلك في قوله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح : 10] ؟ أو قال ذلك في قوله تعالى : ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة :64] ؟ وفي قوله جل شأنه :﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص:75] أو قالها في قول الله سبحانه : ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر : 22] ؟ وما أشبه ذلك من آيات الصفات الإلهية ؟ أليس ابن عباس هو الذي قال في قوله تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ..﴾ أي أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه؟[2] فهل هو من أرباب التأويل؟
فالأيدُ في هذه الآية لفظ مفرد وليس بجمع لليد ومعناه القوة كما فسره حبر الأمة فهو كقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾[ص:17] يعني ذا القوة في عبادة الله ، ولم يفسرها أحد بغير ذلك . فأين التأويل ؟.
وأما قوله تعالى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ [القلم : 42] فقد أورد البخاري تفسيره عن النبي ^ في باب (يوم يكشف عن ساق) من حديث أبي سعيد الخدري t قال سمعت النبي ^ يقول :"يَكْشِفُ ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا".[3]
فالرواية عن ابن عباس في تفسير هذه الآية كما حكاها الحافظ ابن كثير[4] أن الكشف عن ساق :"هو الأمر الشديد الفظيع من الهول يوم القيامة" والأخرى :"حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال" والثالثة :"عن أمر عظيم" والرابعة :"هو يوم القيامة يوم كرب وشدة" . فليس في شيء منها ما يعارض تفسير النبي ^، بل فيه وصف ذلك بأنه أمر عظيم مَهُولٌ.
وهناك تفسير آخر عن أبي موسى t مرفوعا قال في هذه الآية: "يعني عن نور عظيم يخرون له سجدا".[5]
فهل في هذا ما يدعو إلى أن تُؤَوَّل صفةُ الساق الثابتةُ لله على الوجه الذي يليق بجلاله ؟ لما ذا ؟ سيقولون : فرارا من التشبيه!. نقول : أنتم تصورتم التشبيه ففررتم منه إلى التأويل! ونحن لا نتصور في صفات الله تعالى شيئا من صفات المخلوقين، بل نقول إنها ثابتة له سبحانه على الوجه الذي يليق بجلاله . ثم إنكم متناقضون ، لأنا نقول لكم إذا أوّلتم بعض هذه الصفات فأوِّلوا جميع الصفات ولا تستثنوا سمعا ولا بصرا ولا علما ولا حياة إن كنتم فاعلين . ذلك أنّ ما لزم في إثبات هذه لله على الوجه الذي يليق بعظمته وجلاله _ إن لزم _ يلزم في إثبات هذه كذلك فإنها ثابتة في المخلوقين. تعالى الله عن مشابهة الخلق علوا كبيرا.
قال الإمام موفَّق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه الله بعد أن ذكر عددا من صفات الله تعالى الواردة في الأحاديث الصحيحة :
فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعُدِّلت رواته ، نؤمن به ولا نرده ، ولا نجحده ، ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره ، ولا نشبهه بصفات المخلوقين ، ولا بسِمات المُحْدَثين ، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى : 11] .[6]
--------------------------------
[1] راجع تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/254) وتفسير الإمام الطبري (7/27).
[2] الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي (18/215).
[3] صحيح البخاري ، ك تفسير القرآن ، باب 2 ، ح 4919 من حديث أبي سعيد . وأخرجه البخاري أيضا في ك التوحيد ، باب 24 ، ح 7439 في حديث طويل عن أبي هريرة t عن النبي ^ . وفيه :"..فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا".
[4] تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان ، ط. الأولى ، 1407هـ/1987م ، 4/435.
[5] المصدر السابق ، وفيه ضعف كما بينه ابن كثير .
[6] لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد بشرح الشيخ محمد بن صالح وتحقيق أبي محمد ابن عبد المقصود ، مكتبة طبرية ، الرياض ، الطبعة الثالثة ، 1415هـ /1995م ، ص61.