صفات المعاني عند المتكلمين
صفات المعاني عند المتكلمين
وبين الشيخ أن صفات المعاني عند علماء الكلام سبع صفات فقط ، وينكرون ما عدا هذه السبع .
وضابط صفة المعنى عند علماء الكلام : ما دلّ على معنى وجودي قائم بالذات .
والصفات السبع التي أثبتوها هي : القدرة ، والإرادة ، والعلم ، والحياة ، والسمع ، والبصر ، والكلام . وأنكر هذه المعاني السبعة المعتزلة ، وأثبتوا أحكامها ، فقالوا : هو قادر بذاته ، سميع بذاته ، عليم بذاته ، حيّ بذاته ، ولم يثبتوا لله قدرة ، ولا علماً ، ولا حياة ، ولا سمعاً ، ولا بصراً ، فراراً من تعدد القديم ، وهو مذهبٌ كل العقلاء يعرفون ضلاله وتناقضه ، وأنه إذا لم يقم بالذات علم استحال أن تقول : هي عالمة بلا علم ، وهو تناقض واضح بأوائل العقول .
ثم أورد الشيخ أدلة صفات المعاني ، وذكر الفرق بين صفات الباري وصفات المخلوق :
1- وصفوا الله تعالى بالقدرة ، وأثبتوا له القدرة ، والله – جلّ وعلا – يقول في كتابه : ( إنَّ الله على كل شيءٍ قديرٌ ) [ البقرة : 20 ] ونحن نقطع أنه تعالى متصف بصفة القدرة على الوجه اللائق بكماله وجلاله .
كذلك وصف بعض المخلوقين بالقدرة فقال : ( إلاَّ الَّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) [ المائدة : 34 ] فأسند القدرة لبعض الحوادث ونسبها إليهم .ونحن نعلم أنّ كلّ ما في القرآن حقّ ، وأنّ للمولى – جلّ وعلا – قدرة حقيقية تليق بكماله وجلاله ، كما أن للمخلوقين قدرة حقيقية مناسبة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم ، وبين قدرة الخالق وقدرة المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق ، وحسبك بوناً بذلك .
2 ، 3- ووصف تبارك وتعالى نفسه بالسمع والبصر في غير ما آية من كتابه ، قال : ( إنَّ الله سميع بصير ) [ المجادلة : 1 ] ، ( ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير ) [الشورى : 11] .
ووصف بعض الحوادث بالسمع والبصر ، قال : ( إنَّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نَّبتليه فجعلناه سميعا بصيراً ) [الإنسان : 2] ( أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ) [ مريم : 38 ] .ونحن لا نشك أن ما في القرآن حقّ ، فلله – جلّ وعلا – سمع وبصر حقيقيان لائقان بجلاله وكماله ، كما أن للمخلوق سمعاً وبصراً حقيقيين مناسبين لحاله من فقره وفنائه وعجزه . وبين سمع وبصر الخالق وسمع وبصر المخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق .
4- ووصف نفسه بالحياة ، فقال : ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [ البقرة :255] ، ( هو الحيُّ لا إله إلاَّ هو) [غافر : 65] ،( وتوكَّل على الحيّ الَّذي لا يموت )[ الفرقان : 58 ] .ووصف أيضاً بعض المخلوقين بالحياة ، قال : ( وجعلنا من الماء كُلَّ شيءٍ حي ) [ الأنبياء : 30 ] ، ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّاً ) [مريم :15] ، ( يخرج الحيَّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ) [ الروم : 19 ] .ونحن نقطع بأن لله – جلّ وعلا – صفة حياة حقيقية لائقة بكماله ، وجلاله ، كما أن للمخلوقين حياة مناسبة لحالهم ، وعجزهم وفنائهم وافتقارهم ، وبين صفة الخالق وصفة المخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق ، وذلك بون شاسع بين الخالق وخلقه .
5- ووصف – جلّ وعلا – نفسه بالإرادة قال : ( فعَّالٌ لّما يريد ) [ البروج :16] ، ( إنّما أمرهُ إذا أراد شيئاً أن يقول له كُن فيكون ) [ يس : 82 ] .ووصف بعض المخلوقين بالإرادة قال : ( تريدون عرض الدُّنيا ) [الأنفال :67] ، ( إن يريدون إلاَّ فراراً ) [الأحزاب :13] ، ( يريدون لِيُطْفِؤُوا نور الله ) [الصف : 8] .ولا شك أن لله إرادة حقيقية لائقة بكماله ، كما أن للمخلوقين إرادة مناسبة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم . وبين إرادة الخالق والمخلوق كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق .
6- ووصف نفسه – جلّ وعلا – بالعلم ، قال : ( والله بكل شيءٍ عليمٌ ) [النور: 35] ، ( لَّكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه ) [ النساء : 166 ] ، ( فلنقُصَّنَّ عليهم بعلمٍ وما كُنَّا غائِبين ) [ الأعراف : 7 ] .
ووصف بعض المخلوقين بالعلم قال : ( وبشروه بغلامٍ عليمٍ ) [الذاريات :28]، ( وإنَّه لذو عِلمٍ لّما علَّمناه ) [ يوسف : 68 ] .ولا شك أن للخالق – جل وعلا – علماً حقيقيّاً لائقاً بكماله وجلاله محيطاً بكل شيء . كما أن للمخلوقين علماً مناسباً لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم ، وبين علم الخالق وعلم المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق .
7- ووصف نفسه – جلّ وعلا – بالكلام ، قال : ( وكلَّم الله موسى تكليماً ) [النساء : 164] ، ( فأجِرهُ حتَّى يسمع كلام الله ) [ التوبة : 6 ] .ووصف بعض المخلوقين بالكلام قال :( فلمَّا كلَّمه قال إنَّك اليوم لدينا مكين أمينٌ ) [ يوسف : 54 ] ، ( وتكلّمنا أيديهم ) [ يس : 65 ] . ولا شكّ أن للخالق تعالى كلاماً حقيقياً يليق بكماله وجلاله ، كما أن للمخلوقين كلاماً مناسباً لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم ، وبين كلام الخالق وكلام المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق .
الكلام على الصفات السلبية عند المتكلمين
بين الشيخ الشنقيطي – رحمه الله تعالى – ضابط الصفة السلبية عند المتكلمين فقال : هي الصفة التي دلت على عدم محض . والمراد بها أن تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله ، من غير أن تدل على معنى وجودي قائم بالذات .والذين قالوا هذا جعلوا الصفات السلبية خمساً لا سادس لها ، وهي عندهم : القدم ، والبقاء ، والمخالفة للخلق ، والوحدانية ، والغنى المطلق الذي يسمونه القيام بالنفس ، الذي يعنون به الاستغناء عن الحيز والمحل .