ضوابط الدعاء على الظالم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ) رواه أبو داود (1536) ، والترمذي (1905)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ".
قال السندي رحمه الله تعالى:
" قوله: (دعوة المظلوم) أي: في حق الظالم " انتهى من "شرح سنن ابن ماجه" (2 / 439).
لكن ينبغي التنبه إلى أمرين، وهما:
الأمر الأول:
أن الدعاء على الظالم وإن كان أمرا مشروعا؛ إلا أن العفو والدعاء بالهداية له وأن يرجع الحق؛ هو الأفضل.
قال الله تعالى: ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الشورى/41 - 43.
قال القرافي رحمه الله تعالى:
" وأما الدعاء - على الظالم - فقد قال مالك وجماعة من العلماء بجوازه ، والمستند في ذلك قوله تعالى ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) .
لكن الأحسن الصبر والعفو ، لقوله تعالى ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) ، أي من معزومها ومطلوبها عند الله.
فإن زاد في الإحسان على ذلك ، بأن دعا له بالإصلاح ، والخروج عن الظلم : فقد أحسن إلى نفسه ، بمثوبة العفو ، وتحصيل مكارم الأخلاق ، وإلى الجاني بالتسبب إلى إصلاح صفاته ، وإلى الناس بالتسبب إلى كفايتهم شره، فهذه ثلاثة أنواع من الإحسان لا ينبغي أن تفوت اللبيب " انتهى من "الفروق" (4 / 292 - 293).
الأمر الثاني: أن يكون الدعاء بقدر ظلمه؛ لأن الدعاء كالقصاص يكون بمقدار الاعتداء.
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:
" قال أحمد: الدعاء قصاص، ومن دعا على من ظلمه ، فما صبر " انتهى من "الفروع" (7 / 267).
وقال القرافي رحمه الله تعالى:
" وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم ... تدعو عليه بأنكاد الدنيا ، ولا تدعو عليه بمؤلمة لم تقتضها جنايته عليك . بأن يجني عليك جناية ، فتدعو عليه بأعظم منها، فهذا حرام عليك؛ لأنك جان عليه بالمقدار الزائد ، والله تعالى يقول ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) .
فتأمل هذه الضوابط ، ولا تخرج عنها " انتهى من "الفروق" (4 / 294).