عقيدة الشيخ عثمان بن فودي
عقيدة الشيخ عثمان بن فودي
يمكن القول بأن كل من له أدنى ممارسة لكتب الشيخ عثمان بن فودي رحمه الله تعالى يعرف شدة تعظيمه لرسول الله ^ وسنته ، وإجلاله لآثار الصحابة والتابعين .[1] وأن العقيدة يجب أخذها من الكتاب والسنة . وما أكثر ما يردد القول بأن الدين مبني على التبصر، ويردد:
الخير كله في الاتباع * والشر كله في الابتداع
وهو القائل :
ومن علامات المتبعين لسنة رسول الله ^ الإيمان به في جميع ما جاء به والطاعة له في ذلك والتزام محبته بالاقتداء به في أقواله وأفعاله وأخلاقه .[2]
وقال في موضع آخر نقلا عن ابن الحاج :
فإذا علمت هذا كله فعليك باتباع الكتاب والسنة وبما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوا التابعين من أحوالهم السنية إذ هم الذين شهد لهم صاحب العصمة ^ بالخير ، فما عملوا به عملناه وما لا فلا . فيجب على كل من أراد سلوك طريق النجاة أن يبحث عن سيرهم وأحوالهم وينظر في أقوالهم وأعمالهم ويجعل ذلك نصب عينيه ويأخذ نفسه بالجد في العمل بما كانوا عليه ويعرض عما يحدثه المحدثون بعدهم ولا يلتفت إليه ويقول إذا رأى شيئا مما أحدث بعدهم ولو كان خيرا لسبقونا إليه، فمن سلك سبيلهم وصل إلى ما وصلوا إليه حقا ومن عدل عنه قيل له سحقا سحقا .[3]
ولما نقل كلام الفاكهاني رحمه الله الذي بلغ الغاية في الإرشاد إلى التمسك بالسنة وهدي السلف الصالح وصفه بأنه كلام بليغ كاف لمن نور الله بصيرته . وهذا لفظ كلام الفاكهاني :
وقد علِمنا أن النبي ^ لم يمت إلا بعد تمهيد الدين وبيانه وتأسييس قواعده وأركانه وإيضاح ما يحتاج إليه من الأحكام الخسمة ثم أحال على كتاب الله تعالى ثم على سنته ثم على سنة أصحابه . وكل ما كان في الكتاب أو السنة أو عليه عمل أصحابه ^ فهو دين الله الذي يدان به وما خالفه فهو بدعة وضلالة ومردودة إذ لو كان خيرا لنبهنا عليه ^ إذ كان حريصا كل الحرص على نصح الأمة وإرادة الخير لنا فجزاه الله أفضل ما جازى نبيا عن أمته وجعلنا من أمته المتبعين لسنته الكائنين في زمرته بفضله ومنّه .
ثم عقب على هذا الكلام بعد ذلك بقوله : وهو حسن جيد، وفيه كفاية لكل مهتد .[4]
فلا يتصور بعد هذا عدول الشيخ عثمان عن منهج هؤلاء السلف الصالحين إلى غيره من مذاهب المبتدعين. ولكنه رحمه الله تعالى توفر له من كتب علم الكلام ما لم يتوفر له من غيرها في هذا الباب فأكثر من النقل عن السنوسي في شروحه وعن اللقاني في إتحاف المريد وعن الحسن اليوسي في المحاضرات وأحمد بن زكري في محصل المقاصد والمنجوري في شرح هذا المحصل والطغوغي في شافية القلوب والجورائي في عقيدة الموحدين والونشريسي في المعيار المعرب وعن عبد الوهاب الشعراني في القواعد الكشفية وغير هؤلاء من المتأخرين الذين نهجوا في التوحيد منهج أهل الكلام .[5] ولكن المنصف يلاحظ ما في ثنايا نقوله من التعقبات النيرة والتعليقات النافعة كقوله بعد نقل كلام للسنوسي في العمدة شرح الكبرى :
المطلوب الواجب على الأمة حصول معاني أصول الدين المنصوصة في الكتاب والسنة في القلوب لا علم الكلام.[6]
وهو يؤكد في عدد من المواضع على لزوم تحكيم الكتاب والسنة في مسائل الصفات لا تحكيم العقل والفلسفة كقوله:
مسألة : وقد خاض قوم كثيرون في الكلام على المتشابهات وآيات الصفات بعقولهم فضلوا وأضلوا، والأولى بهم الأدب مع الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام فإنهم جاؤوا بها كما هي عند الله تعالى ولم ينقل عن أحد منهم تأويلها فتأويلها إذن سوء أدب عند الله عز وجل مع أن ذلك مؤذن أيضا بقصور الشارع عن البيان فلا يليق التأويل ولكن الحق أن للعالم أن ينور للعامة ذلك بقدر ما يقوم به التعظيم في قلوبهم لله عز وجل .[7]
ثم قال رحمه الله :
مسألة : لا يقدح إطلاق الفوقانية على الله ، فكثيرا ما أومأت إليه الأخبار وظواهر الآيات. ولكن الاعتقاد يقدح إن اعتقدها من غير تنزيه .[8]
وانتهى به المطاف إلى القول بأن :
كل ما أطلقه الشرع من الألفاظ على الله تعالى أطلقناه وما لا فلا كما بينه علماء السنة .[9]
ولذلك فنحن لا نجد أي حرج في نسبة هذا المجدد الكبير إلى مذهب سلف الأمة الصالحين رضي الله عنا وعنهم أجمعين .
----------------------------
[1] راجع في ذلك مثلا : وثيقة الإخوان لتبيين دليلات وجوب اتباع الكتاب والسنة والإجماع ، وكتاب بيان البدع الشيطانية التي أحدثها الناس في هذا الزمان وكتاب إحياء السنة وإخماد البدعة وغيرها من كتبه رحمه الله .
[2] علامات المتبعين لسنة رسول الله ^، تحقيق عبد الله محمد سيفاوا ، نشر مايلستون ، سكتو ، ص1.
[3] إحياء السنة وإخماد البدعة، ص 30
[4] الجامع الحاوي ص170-171.
[5] أقول : لو أنه وصل إليه كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) والرد على الجهمية له وكتاب السنة لابن أبي عاصم (ت 287هـ) وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد (ت 290هـ) وكتاب التوحيد ومعرفة صفات الرب عز وجل لابن خزيمة (311هـ) وكتاب التوحيد لابن مندة وكتاب العقيدة لأبي جعفر الطحاوي (ت 321هـ) وكتاب البيهقي "الأسماء والصفات" وكتاب الشريعة في السنة" لأبي بكر الآجري (ت 360هـ) وكتاب اللالكائي (ت 418هـ) "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" وكتاب "السنة" للخلال وكتاب شر ح السنة للبغوي (ت 516هـ) وكتاب ابن قدامة (ت 620هـ) في إثبات العلو في عقيدة أهل السنة وكتاب "الشرح والإبانة" لابن بطة وكتاب "الإبانة" لأبي الحسن الأشعري وكتاب العرش للذهبي (ت 748هـ) وكتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية" لابن القيم (ت 751هـ) وكتاب "إبطال التأويلات" لأبي يعلى وغير هذه من الكتب التي جرت على طريقة أهل الحديث لكان نقله منها أعظم ودفاعه عن مضمونها أجل وأكبر . فجزاه الله عن جهاده العظيم ضد الكفر والوثنية والبدعة خير الجزاء ، وجمعنا الله به في دار البقاء ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
[6] إرشاد أهل التفريط والإفراط إلى سواء الصراط ، مخطوط من تراث المرحوم الوالد الشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن بن عثمان الماسني ، ص41.
[7] الجامع الحاوي ، ص 130-131.
[8] المصدر السابق ، ص 131.
[9] المصدر السابق ، ص102.