فوائد الرحمة والشفقة على الخلق:الوجه الثاني
الوجه الثاني: أن الملاك إذا احتسبوا في نفقاتهم على ما يملكون ونووا القيام بالواجب ورحمة المملوك والبهيمة, أثابهم الله وكفر به من سيئاتهم وزاد في حسناتهم, وأنزل لهم البركة في هذه المماليك, فإن كل شيء دخلته النية الصالحة والتقرب إلى الله لابد أن تحل فيه البركة, كما أن من أهمل مماليكه وبهائمه, وترك القيام بحقهم استحق العقاب, ومن جملة ما يعاقب به أن نزع البركة منها , فكما حبس وقطع رزق من يملكه, قطع الله عنه من الرزق جزاء على عمله, وهذا مشاهد بالتجربة, وكل هذا من آثار الرحمة التى اشتملت عليها الشريعة الكاملة, ولهذا من أوى إلى ظلها الظليل فهو المرحوم, ومن خرج عنها فهو الشقي المحروم.لقد وسعت هذه الشريعة برحمتها وعدلها العدو والصديق ولقد لجأ إلى حصنها الحصين كل موفق رشيد, ولقد قامت البراهين أنها من أكبر الأدلة على أنها من عند العزيز الحميد, كيف لا يكون ذلك وأكبر من ذلك وقد شرعها البر الرحيم, العليم الكريم, الرءوف الجواد ذو الفضل العظيم؟ شرعها الذي هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها, بل رحمة جميع الوالدين وحنانهم جزء يسير جداً جداً جدا من رحمة الله الذى أنزل بين عباده رحمة واحدة, وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة (فبها تتراحم الخليقة كلها, حتى أن البهائم والسباع الضارية لتعطف على أولادها وتحنو عليهم حنواً لايمكن وصفه فلا يمكن الواصفين أن يعبروا عن جزءٍ يسير جداً من رحمة الله التي بثها ونشرها على العباد , فتباً لمن خرج عن رحمة الله التي وسعت كل شيء , وزهد بشريعته, واستبدل عن هذا المورد السلسبيل بالمر الزعاف والعذاب الوبيل. طوبى لمن كان له حظ وافر من رحمة الله. ويا سعادة من اغتبط بكرم الله وسلك كل سبيل ووسيلة توصله إلى الله علماً وعملاً , وإرشاداً ونصحاً, ودعوة وإحساناً إلى عباد الله فإنه تعالى لما ذكر أن رحمته وسعت كل شيء, ذكر أهل الرحمة الخاصة المتصلة بالسعادة الأبدية والنعيم السرمدي فقال}وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ{ [سورة الأعراف : آية 156] الآية.
وقال: }وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ [سورة آل عمران آية 132]فذكر تعالى الطرق العظيمة الكلية التي تنال بها رحمة الله والفوز بثوابه ورضوانه وهي الإِيمان والتقوى واتباع الرسول وطاعة الله والرسول, وتفاصيل هذه الأمور هو القيام بجميع الدين, أصوله وفروعه, وأعمال القلوب والجوارح وقول اللسان, فمن لم يقم بهذه الأصول لن يكون له نصيب من هذه الرحمة الخاصة المتصلة بسعادة الأبد, وعلى قدر اتصافه وقيامه بهذه الأمور يكون له نصيب من هذه الرحمة, فكما أنه تعالى واسع الرحمة فإنه شامل الحكمة, ومن حكمته أن الأمور متعلقة بأسبابها وطرقها والأسباب ومسبباتها كلها من رحمة الله قال r: «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله» . قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل». متفق عليه. وقال(اعملوا فكل ميسر لما خلق له)( ولهذا على العبد أن يشكر الله على الخير والثواب, ويشكره على التوفيق لمعرفة الأسباب وسلوكها التي رتب عليها الثواب, قال تعالى عن أهل الجنة }الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ{ [سورة الأعراف: من آية 43].
وفي الحديث الصحيح يقول الله: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم (وهذا يشمل الهداية العلمية والهداية العملية, وقد أمرنا الله أن ندعو في كل ركعة من ركعات الصلاة بحصول هاتين الهدايتين في قوله }اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ{(.
تنبيه: كثير من الجهال اعتمدوا على مغفرة الله ورحمته وكرمه فضيعوا أمره ونهيه ونسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين.
وأعظم الخلق غروراً من اغتر بالدنيا وعاجلها فآثرها على الآخرة ورضي بها بديلاً من الآخرة وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله.
() يرحم بها عباده يوم القيامة كما في الحديث الصحيح المتفق عليه.
() رواه البخاري ومسلم0
() رواه مسلم0
() سورة الفاتحة آيه 6-7
() الرياض الناضرة للشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى ص 50-57.