لماذا تخلف المسلمون رغم دينهم الحنيف والغرب الكافر تقدم جداً؟
38- لماذا تخلف المسلمون رغم دينهم الحنيف والغرب الكافر تقدم جداً؟
هذا هو سؤال الحضارة!
وكم عانى الأنبياء في مواجهة هذا السؤال.
وكم تفلت الأتباع وكم بخعت أنفس الرسل حزناً على كثرة تفلت أممهم.
فسؤال الحضارة هو أصل كفر الأمم عبر العصور.
قال الله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } (سورة مريم: 73).
فإذا تُليت الآيات الت فيها الحجج والبراهين على الكافرين، نكص هؤلاء الكافرون بحجة أن هناك أمماً أرقى مادياً من المؤمنين وأحسن ندياً.
يقول الباحث إبراهيم السكران – حفظه الله –: "وهذا قانون تاريخي وسنة كونية متكررة لا ينتهي العجب من تأمل أرشيفها الطاعن في العمر، فجمهور المبلغين عن الله منذ فجر النبوات وحتى لحظة العمل الإسلامي المعاصر يواجهون دوماً "قوى مادية" تفوقهم وتفتن الناس عن اتباع الوحي الذي معهم.
وانظر في تجارب الأنبياء وما انطوت عليه من الخبرات الدعوية، ستجدها تكاد أن تكون جميعاً تمثالاً ناطقاً للصراع بين داعي "الوحي الإلهي" وفتنة "القوة المادية"، وستجد افتتان الناس بالقوة المادية يخلب ألبابهم ويعشي أبصارهم ويصرفهم عن الانصياع والاستسلام للوحي، وستجد العاملين للدين يعانون الأمرين من افتتان الناس بالمظاهر المادية.
فالرسول الأول نوح عليه السلام قال له قومه بكل صراحة مادية:
{ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } (سورة هود: 27).
ويتحدث القرآن عن قوة الكافرين المادية ويصف قصورهم ومنشآتهم الضخمة وبطشهم العسكري في سورة الشعراء فيقول سبحانه:
{ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } (سورة الشعراء: 127-130).
وما أن يظهر نبي الله موسى في أثناء "الحضارة الفرعونية" بكامل وزنها التاريخي وإمكانياتها الإمبراطورية، ليتكرر من جديد مسلسل طغيان القوة المدنية وغرورها أمام الوحي.
ولا ينقضي العجب من عمق فهم نبي الله موسى وملاحظته كيف فتنت الحضارة الفرعونية وقوتها المدنية الناس، وكيف صرفتهم عن الاستسلام للوحي، فيُعبر كليم الله موسى عن هذا القانون التاريخي لأعظم تحد يواجه الدعوات كما في قوله تعالى:
{ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } (سورة يونس: 88).
ولم يكن الحال جديداً بالنسبة لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم فقد كان الجاحدون لنبوته والوحي الذي معه يتعلقون في الإعراض عنه بضعفه المادي، وأنه لا يتمتع بمظاهر القوة والرفاة كما يتمتع بها بعض اللامعين في منطقة الحجاز، ورأوا أنه لا يليق الخضوع لنبي إلا إن كان من أشراف الطبقة الارستقراطية في عاصمتي الحجاز وهما مكة والطائف كما قال تعالى عنهم في سورة الزخرف:
{ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } (سورة الزخرف: 31).
انتهى كلامه.
فما ابتلي البشر عبر العصور وعبر تاريخ النبوات ببلاءٍ أكثر من الافتتان بالقوة المادية للمنافس.
ولم يدرك هؤلاء أنه لا علاقة بين تقدم الغرب وبين صحة المبدأ الديني.
فالتقدم العلمي مثلاً قرين بمن يدفع أكثر، مَن يُمول!
فلا تطلب أكثر لمجرد كونك مُسلم!
ولا تطلب إهلاك القرى لمجرد أنها كافرة
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } (سورة هود: 117).
هذه هي القضية.
فالذي يتوقع أن ننتصر بما نحن فيه من بلادةٍ فقط لأننا مسلمون، وأن يُهزم الغرب بما هم فيه من مثابرة وجدٍ فقط لأنهم كافرون هو أبعد الناس عن فهم سنن الله في كونه، وآياته في كتابه، فقد دلت نصوص الكتاب العزيز أن إهلاك الظالمين إنما يكون بالعدل والقسط لا بالظلم والجور
{ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ } (سورة المؤمنون: 41)
، أي بالعدل لا بالظلم.
وقال تعالى:
{ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } (سورة الشعراء: 208-209).
فنزه الله تعالى ذاته المقدسة عن الظلم؛ لكمال عدله في أخذه وعقابه؛ فلا يصيب بعذابه إلا من عتا وتمرد وظلم.
ومن أجل ذلك فقد ذهب القرطبي في تفسسره إلى أن الشرك لا يكون وحده سبباً لإهلاك الأمم حتى يقترن به إفساد في الأرض، أو تظالمٌ بين العباد؛ لقوله تعالى:
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } (سورة هود: 117).
هذه سنة الله في كونه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً!
فالتقدم المادي والتأخر لا علاقة لهما بمَن معه الحق أو الباطل.