من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه
الدنيا كامرأة بغي لا تثبت مع زوج, إنما تخطب الأزواج ليستحسنوا عليها فلا ترضى إلا بالدياثة.
ميزت بين جمالها فعالها فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
حلفت لنا أن لا تخون عهودنا فكأنها حلفت لنا ألا تفي
السير في طلبها سير في أرض مسبعة, والسباحة فيها سباحة في غدير التمساح, المفروح به منها هو عين المحزون عليه. آلامها متولدة من لذاتها, وأحزانها من أفراحها.
مآرب كانت في الشباب في أهلها عذابا, فصارت في المشيب عذابا
*طائر الطبع يرى الحبة, وعين العقل ترى الشرك, غير أن عين الهوى عمياء.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
*تزخرفت الشهوات لأعين الطباع, فغض عنها الذين يؤمنون بالغيب, ووقع تابعوها في بيداء الحسرات, ف: { أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} البقرة5, وهؤلاء يقال لهم:{ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} المرسلات 46. لما عرف الموفقون قدر الحياة الدنيا وقلة المقام فيها, أماتوا فيها الهوى طلبا لحياة الأبد, لما استيقظوا من نوم الغفلة, استرجعوا بالجد ما انتهبه العدو منهم في زمن البطالة, فلما طالت عليهم الطريق, تلمحوا المقصد, فقرب عليهم البعيد, وكلما أمرت لهم الحياة, حلى لهم تذكر :{ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} الأنبياء 103.
وركب سروا, والليل ملق رواقه على كل مغبر المطالع قاتم
حدوا عزمات ضاعت الأرض بينها فصار سراهم في ظهور العزائم
تريهم نجوم الليل ما يتبعونه على عاتق الشعري, وهام النعائم
إذا اطردت في معرك الجد قصفوا رماح العطايا في صدور المكارم
من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه, وأن تسمع داعيه, ثم تتأخر عن الإجابة. وأن تعرف قدر الربح في معاملته, ثم تعامل غيره. وأن تعرف قدر غضبه, ثم تتعرّض له. وأن تذوق ألم الوحشة ثم لا تطلب الأنس بطاعته وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه, ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته. وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره, ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه, والإنابة إليه. وأعجب من هذا علمك أن لا بد لك منه, وأنك أحوج شيء إليه, وأنت عنه معرض, وفيما يبعدك عنه راغب.