وماذا عن الحدود في الاسلام ؟
32- وماذا عن الحدود – حد السرقة كمثال –؟
القضية ليست لمجرد السرقة بل لما يقترن بها.
ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لَا يُقْطَعُ الْخَائِنُ وَلَا الْمُنْتَهِبُ وَلَا الْمُخْتَلِسُ".
فحد السرقة ليس لمجرد أخذ المال وإنما لما يترتب على السرقة من جناية قد تُعرض للقتل وارتكاب أكبر الجرائم.
فلو انتهب إنسان شيء مما في يده كالحارس والخازن فلا قطع عليه.
ولو سرق إنسان ثمر من شجر فلا قطع عليه: "لا قطع في ثمرٍ ولا كثر".
وفي موطأ الإمام مالك بسند مرسلٍ صحيح: "لا قطع في ثمر معلق، ولا في حريسة جبل".
وحريسة الجبل الماشية التي تحرس في الجبل راعية فالجبل ليس بحرز لها يمنعها.
والله أعلم.
وفي السنن الكبرى للبيهقي قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ليس على من سرق من بيت المال قطع".
فليست القضية لمجرد السرقة وإلا لقُطعت يد الذي ينتهب والذي يختلس والذي يخون.
لكن لما كان غالب حال هؤلاء الثلاثة أنهم يقومون بجريمتهم دون تعريض أرواح الآمنين للخطر، لم تقترن بحد.
ولما كانت سرقة الثمر وحريسة الجبل مع ارتفاع ثمنها بعيدة عن تعريض الآمنين لخطر السارق لم يقم الحد.
وعن ابن أبي ليلى في رجل سرق من الكعبة قال: "ليس عليه قطع".
ولو سرق إنسان وأتى مُقراً بجريمته فهل تُقطع يده؟
الجواب: القاضي يطرده!
نعم يطرده.
فقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بلص قد اعترف اعترافاً ولم يوجد معه متاعٌ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا إِخالُكَ سَرقتَ" قال بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً".
وأخرج البيهقي بسند صحيح أن: "رجلاً أتى علياً رضي الله عنه وقال له إني سرقت فطرده"!.
وقال أبو الدرداء لامرأةٍ قد سرقت: "سلامةُ أسرقتِ؟ قولي: لا".
وعن عطاء يقول: "كان من مضى يؤتى بالسارق فيقول: أسرقتَ؟ قل: لا. ولا أعلم إلا سمى أبا بكرٍ وعمر".
وقد صنف ابن أبي شيبة في مصنفه باب: في الرجل يؤتى به فيقال له أسرقتَ؟ قل: لا.
عن أبي مسعود قال: أُتي برجل سرق. فقال: أسرقت؟ قل وجدته، قال: وجدته، فخلى سبيله.
وعن أبي متوكل أن أبا هريرة أُتي بسارق وهو يومئذ أمير فقال: أسرقت؟ أسرقت؟ قل: لا قل: لا مرتين أو ثلاثاً.
وعن غالب أبي الهُذيل: قال سمعت سبيعاً أبا سالمٍ يقول: شهدت الحسن بن علي وأُتي برجل أقر بسرقة فقال له الحسن: "لعلك أختلست لكي يقول: لا".
وعن عكرمة بن خالد، قال: أُتي عمر بسارق قد اعترف، فقال عمر: "إني لأرى يد الرجل ما هي بيد سارق"، فقال الرجل: والله ما أنا بسارق، فأرسله عمر ولم يقطعه.
33- وماذا عن حد الزنا ورجم إنسان وإزهاق روحه؟
الذي لا يقبل بإزهاق نفسٍ واحدة ارتكبت جريمة الزنا وهي محصنة، هو في المقابل يضطر للسماح بإزهاق مليون نفس سنوياً.
فسنوياً يتم إجهاض مليون طفل غير مرغوب فيهم في أمريكا وحدها!
وهذا من بلايا الزنا وتبعاته!
لكن هذه الأجنة لا تملك منظمات حقوقية ولا أبواق إعلامية فتم التراضي على إزهاقها في صمتٍ تام.
34- لكن لنفترض أن شخصاً متزوجاً زنا ثم تاب إلى الله فهل تُزهق روحه ويُرجم؟
الأصل هو حماية المجتمع وليس إزهاق الأنفس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليتب إلى الله وليستتر بستر الله تعالى".
والنبي صلى الله عليه وسلم حين طرد ماعزاً الذي جاء معترفاً بالزنا ثلاث مرات، كل مرة يطرده ويرده إلى رحله.
وقال للغامدية التي جائت معترفة بالزنا والحديث في صحيح مسلم:
"ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ".
فالذي يتوب إلى الله فلا مشكلة للمجتمع معه، فقد كفي المجتمع شره.
ومثل هذا لو جاء للقاضي طلباً لإقامة الحد فالقاضي يعرض عنه ويطرده.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اطردوا المعترفين".
وفي سنن أبي داوود أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن رد المرأة الغامدية عادت فقال لها أرجعي. فرجعت، فلما كان الغد أتته، فقالت: لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك! فوالله إني لحبلى. فقال لها: "ارجعي" فرجعت، فلما كان الغد أتته، فقال لها: "ارجعي حتى تلدي فرجعت"، فلما ولدت أتته بالصبي فقالت: هذا قد ولدته، فقال لها: "ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه".
ولاحظ قوله صلى الله عليه وسلم بعد قولها أنها حبلى: فقالت: لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك".
ولو لم ترجع الغامدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طلبها.
عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه: كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن: الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما.
فالإسلام لا يتشوق ويسعى إلى تنفيذ الحدود بل يبحث لهاعن كل مخرج.
فالهدف إصلاح المجتمع لا بتره.