تحديد أسماء الله الحسنى
تحديد أسماء الله الحسنى
وقد عني العلماء بجمع أسماء الله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما عنوا بتفسيرها وشرحها .فالقرطبي له كتاب ( معاني أسماء الله الحسنى ) ، وقد سردها ابن جرير الطبري ، وأبو بكر ابن العربي ، وابن حجر العسقلاني ، وغيرهم . وقد اتفق العلماء في عدّ جملة كبيرة من أسماء الله تعالى ، واختلفوا في جملة قليلة ، فبعضهم عدّها من أسمائه تعالى ، ومنهم من نازع في ذلك . (1) -----------------------
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ أسماء الله تعالى المنزلة التي يمكننا معرفتها وإحصاؤها تسعة وتسعون اسماً .ولم يرد حديث صحيح يسرد هذه الأسماء سرداً لا يترك مجالاً للخلاف في تحديدها ، بل وردت هذه الأسماء متفرقة في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، تذكر الآية الاسم والاسمين أو أكثر ، أو تختم الآية بواحد أو أكثر ، وقد تسرد الآيات جملة من هذه الأسماء .
والسبب في هذا الخلاف أن بعض العلماء ظن أنّ كلّ ما أطلقه القرآن على الله – سبحانه – يجوز عده اسماً ، ويجوز إطلاقه مجرداً على الله تعالى . فأبو بكر ابن العربي عدّ في أسمائه : رابع ثلاثة ، وسادس خمسة ، أخذاً من قوله تعالى : ( ألم تر أنَّ الله يعلم ما في السَّماوات وما في الأرض ما يكون من نَّجْوَى ثلاثةٍ إلاَّ هو رابعهم ولا خمسةٍ إلاَّ هو سادسهم ) [ المجادلة : 7 ] .
كما عدّ في أسمائه الفاعل والزارع أخذاً من قوله : ( كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده وعداً علينا إنَّا كنَّا فاعلين ) [ الأنبياء : 104 ] .ومن قوله : ( أَفَرَأَيْتُم ما تحرثون – أَأَنتُمْ تزرعونه أمّ نحن الزَّارعون ) [ الواقعة : 63-64] .
والحق أن هذه ليست أسماء لله تعالى ، بمعنى أنّه لا يطلق على الله تعالى رابع ثلاثة ، وسادس خمسة ، والفاعل ، والزارع . (2)
وقد ورد في القرآن أفعال أطلقها الله – عزّ وجلّ – على نفسه على سبيل الجزاء والعدل والمقابلة ، وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال ، ولكن لا يجوز أن يشتق لله تعالى منها أسماء ، ولا تطلق عليه في غير ما سبقت فيه من الآيات كقوله : ( إنَّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) [ النساء : 142 ] وقوله : ( ومكروا ومكر الله ) [ آل عمران : 54 ] وقوله : ( نسو الله فنسيهم ) [ التوبة : 67 ] ، وقوله : ( وإذا لقوا الَّذين آمنوا قالوا آمنَّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنَّا معكم إنَّما نحن مُسْتَهْزِؤُونَ – الله يستهزئ بهم ) [ البقرة : 14-15 ] .فلا يطلق على الله مخادع ، ماكر ، ناس ، مستهزى ، ونحو ذلك مما يتعالى الله عنه ، ولا يقال : الله يستهزى ، ويخادع ، ويمكر ، وينسى ، على سبيل الإطلاق . وقد أخطأ الذين عدوا ذلك من أسمائه الحسنى خطأ كبيراً ، لأنّ الخداع والمكر يكون مدحاً ويكون ذماً ، فلا يجوز أن يطلق على الله إلا مقيداً بما يزيل الاحتمال المذموم منه كما ورد مقيداً في الآيات . (3)
ومن أجل ذلك لم يرد في أسمائه تعالى : المتكلم ، المريد ، الفاعل ، الصانع ؛ لأنّ مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم . ولو جاز أن يشتق لله من أفعاله أسماء مثل : الماكر ، المخادع ، بحجة إطلاق أفعالها في القرآن على الله لجاز أن يجعل من أسمائه : الداعي ، والآتي ، والجائي ، والذاهب ، والقادم ، والناسي ، والقاسم ، والساخط ، والغضبان ، واللاعن ... وغير ذلك من تلك التي أطلق القرآن أفعالها على نفسه .
فالله لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق ، والمجازاة على ذلك تعدّ حسنة من المخلوق فكيف من الخالق ؟ .
ومن أسماء الله تعالى ما لا يُطلق عليه إلا مقترناً بمقابله ، فإنه إذا أطلق وحده أوهم نقصاً ، فمن ذلك : المانع ، الضار ، القابض ، المذل ، الخافض ، فلا تطلق على الله منفردة ، بل يجب قرنها بما يقابلها ، فيقال : المعطي المانع ، الضارّ النافع ، القابض الباسط ، المعزّ المذل ، الخافض الرافع .
ومن ذلك المنتقم ، لم يأت في القرآن إلا مضافاً إلى : (ذو) كقوله تعالى : ( والله عزيزٌ ذو انتقامٍ ) [ المائدة : 95 ] أو مقيداً بالمجرمين : ( إنَّا من المجرمين منتقمون ) [ السجدة : 22 ] .
(1) راجع تلخيص الحبير : 4/172 .
(2) معارج القبول : 1/77 .
(3) معارج القبول : 1/76 .
,