تفسير قوله تعالى الرحمن الرحيم
قال ابن جرير يرحمه الله المعنى الذي في تسمية الله بالرحمن, دون الذي في تسميته بالرحيم : هو أنه بالتسمية بالرحمن موصوف بعموم الرحمة جميع خلقه وأنه بالتسمية بالرحيم موصوف بخصوص الرحمة بعض خلقه, إما في كل الأحوال, وإما في بعض الأحوال. فلا شك – إذ كان ذلك كذلك – أنّ ذلك الخصوص الذي في وصفه بالرحيم, لايستحيل عن معناه, في الدنيا كان ذلك أو في الآخرة, أو فيهما جميعاً.
فإذا كان صحيحاً ما قلنا من ذلك – وكان الله جل ثناؤه قد خص عباده المؤمنين في عاجل الدنيا بما لطف بهم من توفيقه إياهم لطاعته,والإيمان به وبرسله , واتباع أمره واجتناب معاصيه, مما خُذِل عنه من أشرك به, وكفر, وخالف ما أمر به, وركب معاصيه, وكان مع ذلك قد جعل, جل ثناؤه ما أعد في آجل الآخرة في جناته من النعيم المقيم والفوز المبين, لمن آمن به, وصدَّق رسله, وعمل بطاعته, خالصاً, دون من أشرك وكفر به (1) كان بيَّناً أن الله قد خص المؤمنين من رحمته في الدنيا والآخرة مع ما قد عمهم به والكفار في الدنيا من الإفضال والإحسان إلى جميعهم في البسط في الرزق, وتسخير السحاب بالغيث. وإخراج النبات من الأرض, وصحة الأجسام والعقول, وسائر النعم التي لا تحصى, التي يشرك فيها المؤمنون والكافرون.
فربنا جل ثناؤه رحمن جميع خلقه في الدنيا والأخرة, ورحيم المؤمنين خاصة في الدنيا والآخرة.
فأما الذي عم جميعهم به في الدنيا من رحمته فكان رحماناً لهم به , فما ذكرنا مع نظائره التي لاسبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه , كما قال جل ثناؤه:
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا
[سورة إبراهيم: 34,وسورة النحل: 18].
وأما في الآخرة, فالذي عم جميعهم به فيها من رحمته, فكان لهم رحماناً, في تسويته بين جميعهم جل ذكره في عدله وقضائه,
إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا
[النساء: 40]
وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ
[النحل: 111].
فذلك معنى عمومه في الآخرة جميعهم برحمته, الذي كان به رحماناً في الآخره.
وأما ما خص به المؤمنين في عاجل الدنيا من رحمته, الذي كان به رحيماً لهم فيها, كما قال جل ذكره
وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا
[سورة الأحزاب: 43].
فما وصفنا من اللطف لهم في دينهم, فخصهم دون من خذله من أهل الكفر به وأما ما خصهم به في الآخرة فكان به رحيماً لهم دون الكافرين, فما وصفنا آنفاً مما أعد لهم دون غيرهم من النعيم, والكرامة التي تقصر عنها الأماني( 2)فلله الحمد والشكر والثناء كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه.
وصلى الله وسلم على نبيناً محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المراجع
- جواب قوله «فإذ كان صحيحاً000» وما بينهما فصل.
- تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل القرآن)1/128-129.