إن ربك حكيم عليم
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
فإن الله عز وجل خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له . وجعل لهم أجلاً لا ريب فيه، حيث يرجعون إليه سبحانه فيحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون،ثم إن الله سبحانه وتعالى قد ركب في فطر خلقه الاستعداد للتوحيد،والانجذاب إليه سبحانه فيما لوتركت النفس بدون مغير؛كما قال الله عزوجل في الحديث القدسي"إني خلقت عبادي حنفاء ...الحديث"(1)
وقد أودع عز وجل في هذا الكون من الآيات الباهرات التي تدل عليه سبحانه وأنه وحده الخالق المدبر لهذا الكون،وأنه هو المستحق للعبادة وحده.
ولكن مع كل هذا الاستعداد الفطري للتوحيد ومعرفة الله عزّ وجلّ بآياته إلا أنه سبحانه وتعالى وبواسع رحمته ، وعظيم إحسانه لم يكلنا إلى فطرتنا وحدها ؛ذلك لما يعتري الفطرة السليمة من الفساد والركام بفعل المؤثرات الخارجية أولاً ، وثانياً: لأن الفطرة الإنسانية مهما كانت سليمة وموحدة لبارئها وعالمة به في الجملة؛إلا أن هذا العمل والتوحيد سيبقى مجملاً وناقصاً .
ومن أجل ذلك أرسل الله عز وجل الرسل عليهم الصلاة والسلام ليزيلوا ركام الوثنية والشرك الذي تراكم على النفوس ليردوها إلى التوحيد الخالص لله عز وجل ويعرفوهم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى والتي لا تدركها الفطرة بدون معلم، كما يعلمونهم الأحكام ، والتشريعات الربانية التي تُصلح أمور دينهم ودنياهم ،ويعلموهم أن لهم ميعاد يوم لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون ، وأن هناك جنة وناراً وللجنة أهلون لهم صفات يليقون بها ، وللنار أهلون لهم صفات يستحقون العذاب بسببها، وكل هذه المعارف والعقائد لا تعرف لولا رحمة الله عز وجل ، بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }
[الانبياء:107].
وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }
[الأنبياء:25].
ومن أمور التوحيد التي فصلها سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله لله أمر أسمائه الحسنى وصفاته العليا، التي يعرف بها العباد خالقهم ورازقهم ومعبودهم سبحانه حتى يقدروه حق قدره ،ويعبدوه حق عبادته،ولتمتلئ النفوس بعظمته وجلاله وليتعبدوا لله سبحانه ويدعونه بها،
قال تعالى : {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
[الأعراف:180].
وإن توحيد الأسماء والصفات له شأن عظيم ، وأثر كبير في النفوس
والقلوب ، ولا يصح إيمان عبد إلا بإيمانه بأسماء الله عز وجل وصفاته ، ولكن ما معنى الإيمان بالأسماء والصفات ؟ .
إن الإيمان بأسماء الله عز وجل وصفاته لا يتم على الوجه الصحيح إلا أن ينبني الفهم فيها على ثلاث أسس مهمة ذكرها الإمام الشنقيطي رحمه الله تعالى في محاضرة له عن منهج دراسة لآيات الأسماء والصفات- ، قال في خاتمتها : إنا نوصيكم وأنفسنا بتقوى الله ، وأن تلتزموا بثلاث آيات من كتاب الله :
الأولى :
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ؛
[الشورى: 11]
فنزهوا رب السموات والأرض عن مشابهة الخلق .
الثانية :
{ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
[الشورى:11]
؛ فتؤمنوا بصفات الجلال والكمال الثابتة بالكتاب والسنة، على أساس التنزيه كما جاء
{ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
بعد قوله تعالى :
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } .
الثالثة : أن تقطعوا أطماعكم عن إدراك حقيقة الكيفية ؛ لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل،وهذا نص الله عليه في سورة طه؛حيث
قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}
[طـه:110].
وإن هذا الذي ذكره الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى في المنهج الصحيح لفهم الأسماء والصفات ،لابد أن ينضـم إليه الشعور بآثارها القلبية، والتعبد لله عز وجل ودعائه بها ، وإلا لن يتم الإيمان بالأسماء والصفات كما آمن به سلف الأمة الذين جمعوا بين الفهم والعمل ، ونظروا إلى كل اسم من أسـماء الله عز وجل بأن فيه حقاً من العبودية لله عز وجل على العباد، يتعبدون لله سبحانه وتعالى به .
المراجع
- صحيح مسلم – كتاب الجنة وصفة نعيمها (2865) .