تحقيق العبودية هو همك الأكبر


موقع الإسلام سؤال وجواب

الواجب على المسلم أن يكون تحقيق العبودية هو همه الأول والأكبر؛ وليس همّ الرزق، اتباعا لقوله تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) الذاريات/56 - 58.

وقوله: " عليه أن يرزقني كما وعد ".

المفهوم منه إثبات أن الله هو الرزاق؛ وقد تكفل لكل أحد برزقه في هذه الدنيا، وجعل هذا على نفسه سبحانه وتعالى.

قال الله تعالى:( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) هود/6.

قال الطبري رحمه الله تعالى:

" (إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) ، يقول: إلا ومن الله رزقها الذي يصل إليها، هو به متكفل، وذلك قوتها وغذاؤها وما به عَيْشُها " انتهى من "تفسير الطبري" (12 / 324).

وقال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى:

" وتقديم ( عَلَى اللَّهِ ) قبل متعلَّقه ، وهو ( رِزْقُهَا) ، لإفادة القصر، أي على الله ، لا على غيره، ولإفادة تركيب ( عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) معنى : أن الله تكفل برزقها ، ولم يهمله، لأن (عَلَى) تدل على اللزوم ، والمحقوقية، ومعلوم أن الله لا يلزمه أحد شيئا، فما أفاد معنى اللزوم ، فإنما هو التزامه بنفسه ، بمقتضى صفاته المقتضية ذلك له ، كما أشار إليه قوله تعالى: ( وَعْدًا عَلَيْنَا )، وقوله: ( حَقًّا عَلَيْنَا )." انتهى من "التحرير والتنوير" (12 / 5 - 6).

وكما قد تكفل سبحانه وتعالى برزق جميع الدواب فكذلك تكفل برزق العباد.

قال الله تعالى:( وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) العنكبوت/60.

فالواجب على المسلم الصادق في ثقته بالله تعالى؛ أن لا يلحقه هلع بأي أزمة مالية؛ كما أرشد إلى هذا الوحي.

قال الله تعالى:( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) الأنعام /151.

وقال الله تعالى:( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ) الإسراء/31.

لأن الرزق مقدر ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها.

عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ: ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ... ) رواه البخاري (3208)،  ومسلم (2643).

ولقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَيُّهَا النَّاسُ ؛ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ ) رواه ابن ماجه (2144)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6 / 209).

فالظاهر أن هذا القائل تأول التعبير القرآني باستعمال أداة "على" ، كما سبق في قوله تعالى:

( عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )؛ بمعنى أن الله تكفل برزق عباده ، وأوجبه على نفسه ، تفضلا منه سبحانه.

ولا يقصد بقوله "على"، أنه يوجب على الله تعالى أن يرزقه مقابل عبادته؛ فالله تعالى لكمال عظمته ، وكمال ملكه ، وكمال إنعامه وفضله على الخلق: لا يوجب عليه أحد فعل شيء.


السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ تحقيق العبودية هو همك الأكبر

  • المفهوم الصحيح للعبودية

    الشيخ سفر الحوالي

    إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن

    15/07/2013 3451
  • من ذاق لذة العبودية

    الشيخ عبدالعزيز الطريفي

    من ذاق لذّة العبودية مع الله ، ذاق لذّة الحرية من الهوى و الناس ، و من حُرم الأُولى حُرم الثانية

    20/08/2018 2164
  • القلب السليم : سلم من الشرك

    البندري العجلان

    القلب السليم : سلم من الشرك الشرك: هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله وهو صرف شيء من العبادة لغير

    29/09/2017 3056
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day