الشبهات حول اسم الله (المدبر) والإلحاد فيه
الشبهة الأولى:
قوم زعموا أن الملائكة تدبر العالم وسموها آلهة، وقد قال الله عز وجل للملائكة:
{ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 5]
الرد عليها:
لا مدبر لشيء من الموجودات إلا الله، ومعنى المدبرات: المنفذات لما دبر الله على أيديها كما يقال لمن ينفذ حكم الله بين الخصوم حاكم.
يراجع: ( شعب الإيمان للبيهقي 1/ 190).
الشبهة الثانية:
استقلال القانون الطبيعي عن تدبير الله، بمعنى أن الكون يسير بقوانين الطبيعة دون تدبيره تعالى وتدخله.
الرد عليها:
ليست القوانين الطبيعية أو الــ laws of nature إلا الطريقة التي أقام الله عليها كونه، ورتّب عليها خلقه، فالإيمان بالله تعالى لا يناقض معرفة حقيقة قوانين الكون ونظامه، وإنا حال نظرنا إلى هذا الكون المقام على قانون الأسباب، نجد أن كل شيء حاصل وحادث في الكون المشاهد لا بد له من سبب متقدم عليه به يقع، علمنا ذلك من مستقر العادات على ما جرى واطرد، فحكمنا به قطعي، وكل سبب من هذه الأسباب حادث كذلك، فلا بد له من أسباب أخرى.
ولا تزال تلك الأسباب ترتقي حتى تنتهي ولابد إلى مسبب لها، فهو الله، مسبب الأسباب و موجدها وخالقها، لا إله إلا هو سبحانه.
ثم نجد الشرع نبهنا أن نقطع النظر عن الأسباب ونتوجه لموجدها، فنقطع التعلق القلبي بالأسباب ونتوجه إلى الواحد الأحد مسبب الأسباب وموجدها.
ففعل الله في الكون هو إقامة الخلق على وفق هذا القانون، مع قدرته تعالى على كل شيء، إلا أنه اختار أن يجري خلقه على هذه القوانين.
وكلما ازددنا علما ومعرفة بقوانين الطبيعة.. كلما ازداد إيماننا بالله وشهودنا لجماله، وجلاله، وكماله وتدبيره.
وبهذا يسير العقل والقلب في درب واحد، فلا انفصام بينهما ولا خصام.
وهو مصداق قول ذي العزة والجلال سبحانه:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190 – 191]
وقال تعالى:
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]
يراجع: https://www.ida2at.com/does-universe-follow-laws-nature-or-godly-intervention/
الشبهة الثالثة:
العقل مدبر يدبر لصاحبه أمر دنياه وعقباه.
الرد عليها:
نقول أن أول تدبير العقل الإشارة إلى المدبر الصانع، ثم إلى معرفة النفس ثم يشير إلى صاحبه بالخضوع والطاعة لله، والتسليم لأمره، والموافقة له، وهذا معنى قولهم: العاقل من عقل عن الله أمره ونهيه.
فللإنسان تدبير، ولكن نقول: هذا التدبير قاصر، ليس كل شيء أملك تدبير فيه, وإنما أملك تدبير ما كان تحت حيازتي وملكي, وكذلك لا أملك تدبيره إلا على وفق الشرع الذي أباح لي هذا التدبير.
يراجع: (الحجة في بيان المحجة لقوام السنة 1/ 346، شرح العقيدة الواسطية للعثيمين 1/ 24).
الشبهة الرابعة:
ما يعتقده بعض الباطنية وبعض المتصوفة من أن بعض ما يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير، ويتصرفون في شؤون العالم، ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأغواث وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم.
الرد عليها:
هذا من أقبح الشرك في الربوبية، وهو شر من شرك جاهلية العرب، لأن كفار العرب لم يشركوا في الربوبية، وإنما أشركوا في العبادة، وكان شركهم في حال الرخاء، أما في حال الشدة فيخلصون لله العبادة، كما قال الله سبحانه:
{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]
أما الربوبية فكانوا معترفين بها لله وحده، كما قال سبحانه:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87]
وقال تعالى:
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [يونس:31]
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
أما هؤلاء فزادوا على الأولين من جهتين إحداهما: شرك بعضهم في الربوبية. والثانية: شركهم في الرخاء والشدة كما يعلم ذلك من خالطهم وسبر أحوالهم، ورأى ما يفعلون عند قبر الحسين، والبدوي وغيرهما في مصر، وعند قبر العيدروس في عدن، والهادي في اليمن، وابن عربي في الشام، والشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، وغيرها من القبور المشهورة التي غلت فيها العامة، وصرفوا لها الكثير من حق الله عز وجل، وقل من ينكر عليهم ذلك ويبين لهم حقيقة التوحيد الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله سبحانه أن يردهم إلى رشدهم، وأن يكثر بينهم دعاة الهدى، وأن يوفق قادة المسلمين وعلماءهم لمحاربة هذا الشرك والقضاء عليه ووسائله، إنه سميع قريب.
يراجع: (العقيدة الصحيحة وما يضادها لابن باز ص 13).
الشبهة الخامسة:
يسمي الله تعالى القرآن أمره، فقال عز وجل:
{ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} [الطلاق: 5]
، احتج الجهمي بآية انتزعها من المتشابه، فقال: أليس قد قال الله تعالى
{ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} [يونس: 3]
، فهل يدبَّر إلا مخلوق؟ يريد القول بخلق القرآن.
الرد عليها:
أن لفظ الأمر مما يكون لفظه واحدًا بمعان مختلفة، وجاء مثله في القرآن كثير، فإنما يعني: يدبر أمر الخلق، ولا يجوز أن يدبر كلامه، لأن الله تعالى حكيم عليم، وكلامه حكم، وإنما تدبير الكلام من صفات المخلوقين الذين في كلامهم الخطأ والزلل، فهم يدبرون كلامهم مخافة ذلك ويتكلمون بالخطأ ثم يرجعون إلى الصواب، والله عز وجل لا يخطئ ولا يضل ولا ينسى ولا يدبر كلامه، وقد فصل الله تعالى بين أمره وخلقه في قوله:
{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]
يراجع: (الإبانة الكبرى لابن بطة 6/ 149).