التعبد بأسماء الله (الغفور - الغفار - الغافر)
1- كثرة الاستغفار:
فالمعاصي قيود إبليس وحباله التي يأسرك بها، وهي سجن تسلطه عليك، وإذا قيَّد الشيطان قلبك حاصرته الآفات من كل جانب فأهلكته، وتمكَّنت منه، ومن هنا اشتدت حاجة العبد إلى الاستغفار؛ لأنه خطَّاء.
وسيد الاستغفار: كما في الحديث : عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ. إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الجَنَّةَ - أَوْ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ - وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَهُ " [أخرجه البخاري 8/71 حديث 6323].
2- مراعاة أوقات الاستغفار:
فهناك أوقات للاستغفار علمنا إياها رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم - وهي:
عَقِبَ الخروج مِنَ الخلاء: " كان إذا خرج من الغائط قال: غفرانك".
بعد الوضوء: عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ – رضي الله عنه - أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" من توضَّأَ فقال: سُبْحَانَكَ اللهُم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك، وأتوب إليك، كُتِبَ في رَقٍّ، ثُمَّ جُعِل في طابع، فلم يُكْسر إلى يوم القيامة".
في الرُّكُوع والسجود: يُسنُّ الدُّعاء بالمغفرة في الرُّكوع، فقد روت عائشة – رضي الله عنها - قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي " يتأوَّل القرآن.
روى حذيفة أنه صلى مع النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فكان يقول بين السَّجْدتين: "رَبِّ اغفر لي، رَبِّ اغفر لي "، وكذلك كان يقول في الجلسة بين السجدتين: "رَبِّ اغْفِرْ لي وارْحمني واجْبرني وارفعني وارْزُقْني واهْدِني ".
عقب صلاة الفريضة: والاستغفار هو أول كلمة كان ينطق بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة، وهو الاستغفار ثلاثًا، وذلك تعليم لأمته لجبر الكسر فيها، وتعويض فوات الخشوع وانشغال القلب الذي يعتريها.
في الاستسقاء: لأن حبس المطر قد يكون بسبب ذنوب العبد، فيلزمه الاستغفار إن أراد أن يُغاث! خرج عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - يستسقي يومًا، فصعد المنبر، فقال:
{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10- 12]
، ثم نزل، فقيل له: يا أمير المؤمنين، لو استسقيت، فقال: " لقد طلبت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر".
في الأسحار: لقول ربنا في وصف المؤمنين
{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18]
في ختام كل مجلس: من أكثر المعاصي عددًا، وأيسرها فعلاً، وأعظمها إهلاكًا للعبد: معاصي اللسان؛ ولهذا أهدى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدية من أثمن الهدايا حين قال: " من قال: سبحان الله وبحمده سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، فإن قالها في مجلس ذِكرٍ كانت كالطابع يطبع عليه، ومن قالها في مجلس لغو، كانت كفارة له".
3- أكثر من الحسنات:
وذلك إن أردت حصول المغفرة؛ لأنها من أسباب حصول مغفرة الله للسيئات السالفة ومحوه للذنوب المهلكة، قال الله تعالى:
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]
4- لا تغتر باستغفارك فتسرف في الذنوب:
إن معرفتك لاسم الله الغفور ليس معناه أن يسرف العبد في الخطايا والذنوب ويتجرأ على العصيان؛ لأن المغفرة لا تكون إلا بشروطها وانتفاء موانعها، قال تعالى:
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25]
5- اعفُ عن المسيء:
ومن عرف ربه الغفور غفر للآخرين، وعفا عن المسيئين، قال سبحانه في صفات المتقين
{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134]
6- استر ولا تفضح:
المؤمن يعامل الناس بما يعامله به ربه، فيحب الستر، ويكره أن يكون سببًا في فضيحة غيره، ويستر المذنب بطرف ثوبه، ويتمنى لو أحسن وتاب في السر كما أساء في السر.
[هنيئًا لمن عرف ربه – أسماء الجمال – د/ خالد أبو شادي، ص 225- 240]
7- ذكر الله تعالى صباحًا ومساءً يكفر الذنوب:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
" مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " [أخرجه مسلم 4/2071 حديث 2691].