التعبد باسم الله (الرحمن)
1- تسمية الأبناء باسم عبد الرحمن:
فهذا الاسم من أحب الأسماء إلى الله تعالى، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ».
2- الرحمة بالخلق بما فيهم العصاة:
فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ» أخرجه البخاري ومسلم.
وعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» أخرجه البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ أَبَا الْقَاسِمِ صَاحِبَ الْحُجْرَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
ومن هنا وضع ابن القيم قاعدة يعرف بها القرب والبعد من الله، جاء فيها ما نصه:
"وأقرب الخلق إليه: أعظمهم رأفة ورحمة، كما أن أبعدهم منه من اتصف بضد صفاته " (الروح 1/251).
أما الرحمة بالعصاة تتمثل في عدم ازدرائهم أو التكبر عليهم وعدم الحكم عليهم بعدم القبول أو عدم المغفرة.
عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ الْيَمَامِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا يَمَامِيُّ، لَا تَقُولَنَّ لِرَجُلٍ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لَكَ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللهُ الْجَنَّةَ أَبَدًا. قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ هَذِهِ لَكَلِمَةٌ يَقُولُهَا أَحَدُنَا لِأَخِيهِ وَصَاحِبِهِ إِذَا غَضِبَ. قَالَ: فَلَا تَقُلْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
" كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلَانِ، كَانَ أَحَدُهُمَا مُجْتَهِدًا فِي الْعِبَادَةِ، وَكَانَ الْآخَرُ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، فَكَانَا مُتَآخِيَيْنِ، فَكَانَ الْمُجْتَهِدُ لَا يَزَالُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى ذَنْبٍ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا، أَقْصِرْ. فَيَقُولُ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟ " قَالَ: " إِلَى أَنْ رَآهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ، أَقْصِرْ. قَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا "، قَالَ: " فَقَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لَكَ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللهُ الْجَنَّةَ أَبَدًا. قَالَ أَحَدُهُمَا، قَالَ: فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمَا مَلَكًا، فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، وَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي. وَقَالَ لِلْآخَرِ: أَكُنْتَ بِي عَالِمًا، أَكُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا، اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ ". قَالَ: " فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ، لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ " أخرجه أحمد.
3- حب الله تعالى:
فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها عفَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ» قُلْنَا: لاَ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» أخرجه البخاري ومسلم.
فرحمة الله بنا أعظم من رحمة هذه المرأة المشفقة على ولدها، وبالتالي تورث هذه الرمحة محبة الله، ومحبة الله تورث امتثال أمره وعدم مخالفة نهيه.
4- الرجاء وحسن الظن بالله:
قال العز بن عبد السلام: " من عرف سعة رحمة الله كان حاله الرجاء ".
دخل حماد بن سلمة على سفيان الثوري، فقال سفيان: " أترى أن الله يغفر لمثلي "، فقال حماد: " والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي، وبني محاسبة أبوي لاخترت محاسبة الله؛ وذلك لأن الله أرحم بي من أبوي ".
وحماد بن سلمة كان محدثًا ثقة عابدًا.
5- الحياء من الله تعالى:
إن التأمل في إحسان الله ورحمته يورث العبد حساء منه سبحانه، فيستحي العبد المؤمن من خالقه أن يعصيه، ثم إن وقع في الذنب جهلًا منه استحيا من الله بعد وقوعه في الذنب.
كان الأسود بن زيد يجتهد في العبادة، ويصوم حتى يصفر ويخضر، فلما احتضر بكى، فقيل له " ما هذا الجزع؟ " فقال:
" لا أجزع ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل، لأهمني الحياء منه بما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الذنب الصغير فيعفو عنه، ولا يزال مستحيًا منه ".
6- أنه دعاء للخير كله:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ، قَالَ: " قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا لِي، قَالَ: " قُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي "، فَلَمَّا قَامَ قَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَهُ مِنَ الْخَيْرِ" أخرجه أبو داود.
أي: أشار الرجل بيده وفي رواية (وقبضهما).
(ينظر: هنيئًا لمن عرف ربه – أسماء الجمال – د/ خالد أبو شادي، ص 28- 30)
7- أن يدعوا الله باسمه (الرحمن):
قال تعالى:
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110]
وقال سبحانه:
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]
{ربَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]
{ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10]
{وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 118]
فيكثر العبد من قول اللهم ارحمني، وقول: اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.