الخبير البصير
– بعض آيات القرآن تحفظها وإن كنت لا تحفظ ما قبلها وما بعدها.
– لم أفهم ما تريد.
– مثلا قول الله تعالى:
{فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب في الصدور}
– بل هذا جزء من آية في سورة الحج:
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج:46)
– أحسنت، ولذلك يقال: «العمى عمى البصيرة لا عمى البصر».
– نعم، هل تعلم أن (البصير) من أسماء الله الحسنى؟!
– نعم، واقترن بـ(السميع) في مثل قوله تعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: 11)
صاحبي مطلع جيد ومتابع ممتاز للبرامج الدينية وما ينشر من خلال وسائل التواصل، لا يكاد يمسك كتابا بيده ولكن لا يمكن أن تراه دون الهاتف الذكي يقلبه كل حين.
– ورد اسم الله (البصير) إحدى وأربعين مرة في كتاب الله، واقترن بـ(السميع) عشر مرات، وبـ(الخبير) خمس مرات، وكان الاسم الثاني دائما (السميع البصير)، و(الخبير البصير)، والآيات التي ورد فيها الاسمان هي:
{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} (الشورى:27)
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (الإسراء:17)
{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (الإسراء:30)
{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (الإسراء:96)
{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } (فاطر:31)
وفي اللغة (بصر) ابن الأثير في أسماء الله تعالى البصير هو الذي يشاهد الأشياء كلها ظاهرها وخافيها، قال سيبويه بصر صار مبصرا وأبصره إذا أخبر بالذي وقعت عينه عليه وحكاه اللحياني بصر به بكسر الصاد أي أبصره وأبصرت الشيء رأيته.
والفعل بصر يبصر، ويقال بصرت وتبصرت الشيء: شبه رمقته. وفي التنزيل العزيز:
{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} (الأنعام: 103)
قال أبو إسحاق : أعلم الله أنه يدرك الأبصار.
وقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ} (الأنعام: 104)، أي قد جاءكم القرآن الذي فيه البيان والبصائر {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} (الأنعام: 104)، نفع ذلك {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} (الأنعام: 104)، ضرر ذلك؛ لأن الله عز وجل غني عن خلقه.
وقوله تعالى:
{بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} (القيامة: 14)
قال ابن سيده له معنيان إن شئت كان الإنسان هو البصيرة على نفسه أي الشاهد، وإن شئت جعلت البصيرة هنا غيره فعنيت به يديه ورجليه ولسانه؛ لأن كل ذلك شاهد عليه يوم القيامة. وقال الأخفش بل الإنسان على نفسه بصيرة جعله هو البصيرة كما تقول للرجل أنت حجة على نفسك.
– وماذا عن المعاني التي وردت في التفسير؟!
– جاء في معنى قوله تعالى: {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} (الشورى:27). أي محيط بخفايا أمورهم مبصر لها، (الخبير) الذي يعلم حقيقة الأشياء (البصير) الذي يرى الأمور على حقيقتها. فاجتماع (الخبير البصير)، جمع بين معرفة الحقيقة ورؤيتها، ولا شيء أعلى من ذلك.
ولو تدبرنا الآيات التي ختمت بهذين الاسمين (الخبير البصير)، لعلمنا المناسبة، ففي آية الشورى: 27، وآية الإسراء: 30، يخبر سبحانه عن علمه بأحوال عباده فيبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وفي آية الإسراء 17، يخبر سبحانه عن علمه بحقيقة من استحق الهلاك من الأمم السابقة، وفي آية الإسراء:96، يأمر الله رسوله أن يكتفي بالله شهيدا؛ لأنه (الخبير البصير)، سبحانه وتعالى.