إحياء جانب العبادات في العشر
الحمد لله ذي الفضل والإحسان ، والخير والإنعام ، والصلاة والسلام على سيد العابدين وأعظم الخاشعين وبعد /
فمن رحمة الله بعباده تهيئة مواسم الخيرات التي تتضاعف فيها الهبات ، وتعظم فيها أجور الحسنات ، وترتفع للموفقين الدرجات ، ومن هذه المواسم العظيمة الشريفة ( عشر ذي الحجة )
( عشر ذي الحجة ساعات نفيسة ، وزمن شريف مبارك ، تزداد فيه أجور العاملين ، فكن خير سابق لطاعة ربك ، وأسرع مبادِر لاغتنام فضله ، ولا تضيّع منها دقيقة فالوقت أعزّ مِن أن يفرّط فيه )
هذا الموسم لجلالته ورفعة منزلته أقسم الله به في كتابه بقوله :
" وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) "
وعلّمنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منزلتها بأعظم ترغيب ، فقال :
" ما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ، فقالوا: يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " رواه الترمذي .
ولضعف الكثير منّا عن العبادات - إلا من رحم الله - فإنّ مثل هذه المواسم تحي عنده الإلتفات لما ينفعه ساعة القدوم على الله ، وتُعلي درجته عند ربه .
وهناك الكثير من العبادات التي قلّ العناية بها ، وضعفت النفوس عن فعلها ، فلعل مثل هذه المواسم يكون بداية العهد بها والمحافظة عليها حتى يلقى العبدُ ربه كأحسن ما يكون .
أوّل هذا العبادات ، وأحقها بالعنايةُ ( عبادة الصلاة )
فالصلاة أعظم الطاعات أجراً ، وأجلّها منزلة عند الله ، وهي أحسن الحسنات ، وخير الباقيات الصالحات .. وهذه الأيام فرصة لإصلاح الحال فيها .
ومن ذلك :
المبادرة لها في أوّل وقتها ففي المبادرة خيرات كثيرة من الفوز بفضل التقدّم للصلاة ، وفضل انتظار الصلاة ، والإكثار من تلاوة القرآن ، واغتنام فرصة إجابة الدعاء ، وكلها حسنات عظيمة ( خصوصاً في هذه العشر ) ومن ذلك :
الفوز بأداء سنن الصلوات الرواتب " فصلاة ثنتي عشرة ركعة كل يوم بها يُبنى للعبد بيتٌ في الجنة " كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن ذلك :
الحرص على صلاة الليل وصلاة الوتر فهي شرف المؤمن وفي الجملة " الصلاة خير موضوع " كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعتني بها المؤمن عناية فائقة ، والعشر فرصة للفوز بفضائلها كلها .
عشر ذي الحجة فرصة لعبادة الصيام /
فالصوم عبادة الخُلّص من العُبّاد وهي طريق الجنّة ، وصومُ العشر سُنّة ثابتة ، فقد صامها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلها ، وهي داخلة في جملة الأعمال الصالحة التي جاء الحث على فعلها ومضاعفة أجرها .
ولئن عجزتَ عن صومها كلها فصم بعضها ( فصوم يوم واحد يُباعد اللهُ به وجهك عن النار سبعين سنة )
قرآنك خير جليس لك .
عشر ذي الحجة فرصة لتجديد العهد مع القرآن لتصاحبه على الدوام ، والعشر فرصة لختمه مرة واحدة كأقلّ القليل ، ومن عزم على ختمة كل ثلاثة أيام فالأمر يسير له ولأصحاب الهمم العالية الذين يرون أنّ التلاوة خير تجارة رابحة .
عشرون دقيقة كافية لختم الجزء الواحد فكن خير مجتهد .
قسّم وقتك وكن شحيحاً به تبلغ الخير كله .
يالسعادة الذاكرين .
ذكر الله على الدوام فضله جاءت به النصوص وفي عشر ذي الحجة تزداد أجور من رطّب لسانه به لورود النصوص به على الخصوص .
نحتاج تدريب النفس على تفريغ الوقت للذكر وحضور القلب فيه ولعل العشر فرصة لتحصيل لذته .
الكثير منّا يذكر الله بدون حضور قلب وغفلة للنفس ، فاستحضر - أيّها الذاكر - عظمة الله عند كل تسبيحة وتحميدة وتهليلة ، واجعل بين عينيك ذنوبك وحاجتك للمغفرة عند كل استغفار لتقوم بعد ساعة ذكرك بقلب غير الذي كنتَ عليه .
جلسة الإشراق وإحياء سُنّة أوّل النهار .
زهدِنا كثيراً في الجلوس بعد الفجر إلى الإشراق وهي سنة ثابتة كان رسولنا صلى الله عليه يداوم عليها .
وكم في الجلوس هذا الوقت من خيرات وبركات ينالها من جلس .
فلنحي هذه السنة في مساجدنا وليتعاون أهل المسجد عليها ( والعشر فرصة لإحياء هذه السُنّة ) وصلِّ ركعتين بعد شروق الشمس تفوز بأجر حجة وعمرة والأجر يعظم في هذه العشر .
صدقتك ظلك يوم التناد .
لتكن لك صدقة يومية في هذه العشر ولو بريال واحد ، تتبع المحتاجين ، وفتّش عنهم فإنَك ستجد من هو بحاجة لإحسانك الذي فيه الإحسان لنفسك أصلاً ، فالله يُحبُّ المحسنين .
دعاؤك خير زاد ..
زد صلتك بالله هذه الأيام فقد توجهّتَ بكليّتك إلى الله ، وازددت من الأعمال الصالحة فطابت نفسُك وقربت دمعتك .
تعوّد على كثرة الدعاء فهو عبادة لا يشقى معها أحد ، أظهر حاجتك لربك بأن يعينك ويوفقك ويسددك لاغتنام هذه العشر وبقية حياتك حتى تلقاه ، فلولا فضله ما عبده أحد ، ولولا رحمته مازكى أحد ، ولولا إحسانه ما استقام لأحد حال .
اللهم وفقنا لأحسن الأعمال والأخلاق ، وأعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .