المقدم - المؤخر
الدليل:
عنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يكونُ مِنْ آخِر مَا يقولُ بينَ التَّشَهُّدِ والتَّسْلِيم: « اللَّهمَّ اغفِرْ لِي مَا قَدَّمتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ ومَا أعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرفْتُ، وَمَا أَنتَ أَعْلمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ، وَأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلهَ إلاَّ أنْتَ »؛ رواه مسلم.
المعنى:
معنى المقدِّم، أي: الذي يُقدِّم الأشياء ويضعها في مواضعها، وينزلها في منازلها، ومعنى المؤخِّر، أي: الذي يؤخِّر الأشياء، ويضعها في مواضعها، كل ذلك تبعاً لعِلمِه وحكمتِه ومشيئتِه، فالله سبحانه وتعالى هو المنزل الأشياء منازلها، يُقدّم ما يشاء منها، ويؤخّر ما يشاء، ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: ٢٣].
فقدّم سبحانه خلقَ آدم على سائر البشر، وقدّم خلق الملائكة على الجن والإنس، وقدّم خلق الجن على الإنس، وهذا التقديم والتأخير كوني قدري، ولا يلزم منه تفضيل المتقدّم على المتأخّر، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، ولكنه أفضلهم، وأمته آخر الأمم، ولكنها أفضل الأمم، وهكذا.
وقد يقدّم الله ويؤخر تقديماً وتأخيراً شرعيين، كتقديم الفرائض على النوافل من حيث الأفضلية، وتقديم الأذان على الصلاة، وتقديم خطبة الجمعة على الصلاة، وهكذا.
مقتضى اسمي الله المقدّم المؤخِّر وأثرهما:
يقتضي هذان الاسمان معرفة هاتين الصفتين من صفات الله تعالى، وهما تقديم الأشياء وتأخيرها، ووضعها في مواضعها، لحكمةٍ يعلمها هو سبحانه جلَّ وعلا، فلا يأسف العبد حينئذٍ على تقديم شيءٍ أو تأخيره، لأن الذي قدَّم وأخَّر هو الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها، ولأنه تعالى أعلم بمصالح العباد من العباد.
كما يربي هذان الاسمان العبدَ على أهمية مراعاة الأولويات من الأعمال، فلا يُقدّم المفضول على الفاضل، ولا المهم على الأهم، بل لا بد من إنزال الأمور منازلها، ومراعاة الحكمة والمصلحة في تقديمها وتأخيرها.