التواب
الدليل:
قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: ١٠٤].
وقال تعالى: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: ٣].
المعنى:
التوّاب من التوبة، ومعناها الرجوع، يقال: تاب، إذا رجع، والتوّاب صيغة مبالغة، أي: أن الله تعالى كثير التوبة.
وأما معنى اسم الله التوّاب فقد ذكر العلماء معنيين رئيسين:
المعنى الأول: التوّاب بمعنى أنه سبحانه يوفق العبد للتوبة، ويأذن له بها، وييسرها له، ويلهمه إياها، ويبعث في قلبه الرغبة فيها، كما قال تعالى عن الثلاثة الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾ التوبة: ١١٨، أي: أَذِن لهم بالتوبة، ووفقهم لها.
فالمعنى الأول توبة سابقة، تعقبها توبة لاحقة، وهي المعنى الثاني للتوبة.
المعنى الثاني : التوّاب بمعنى الذي يقبل توبة عبده ورجوعه عن الذنب، فبعدما يسَّرها له قَبِلَها سبحانه بمنِّه وفضله وكَرَمِه، بل إن الله تعالى يقبل التوبة وإن تكرّرت المعصية من العبد، لأنه سبحانه هو التوّاب، فكلما وقع العبد في الذنب ثم تاب منه قَبِل الله توبته، بشرط أن يحقّق العبد شروط التوبة، وهي: الإقلاع عن الذنب، والندم على ارتكابه إياه، والعزم على عدم الرجوع إليه، وإذا كان الذنب متعلّق بحقوق العباد ردَّ هذه الحقوق وتحلَّل منها، فإذا تاب العبد وحقَّق هذه الشروط تاب الله عليه، فالعبد تائب والله توّاب.
بل إن الله تعالى تكرُّمًا منه وإحسانًا وفضلًا يُبدِّل سيئات العبد حسنات إذا تاب ورجع، قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [الفرقان: ٧٠].
قال ابن القيم في بيان هذين النوعين: "وتوبة العبد إلى ربه: محفوفة بتوبة مِنَ الله عليه قبلها، وتوبة منه بعدها، فتوبته بين توبتين من الله، سابقة ولاحقة، فإنه تاب عليه أولًا، إذنًا وتوفيقًا وإلهامًا، فتاب العبد، فتاب الله عليه ثانيًا قبولًا وإثابة". (مدارج السالكين)
فهو سبحانه التائب على التائبين أولًا بتوفيقهم للتوبة، وهو التائب عليهم بعد توبتهم، قبولًا لها، وعفوًا عن خطاياهم وذنوبهم.
مقتضى اسم الله التوّاب وأثره:
اسم الله التوّاب يبعث في قلب العبد الأمل والرجاء والرغبة في فضل الله وإحسانه، بأن يغفر الله له الذنوب والخطايا مهما عَظُمتْ، فيسارع العبد إلى الله بالتوبة قبل أن يفجأه الأجل، وكلما وقع في الذنب رجع إلى الله تعالى، لأنه سبحانه توّاب كثير التوبة على عباده.