أسماء الله الحسنى: الحَقُّ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛..
الاشتقاقُ اللغوي:
حق: الحاءُ وَالقاف أصلٌ واحدٌ، وهو يدلُّ على إحكامِ الشيءِ وصحتِه، فالحقُّ نقيضُ الباطلِ، ويُقالُ حَقَّ الشيءُ: وَجَبَ([1]).
وَيُقالُ: حَقَّقْتَ الشيءَ أَحْقَقَهُ: إذا تيقنتَ كونَه وَوجودَه، وَحُقَّ الأمرُ يَحِقُّ حقًّا وَحُقُوقًا: صارَ حَقًّا وَثَبُتَ، أوْ وَجَبَ وجُوبًا([2]).
الأدلةُ مِنَ القرآنِ والسنةِ:
وردَ اسمُ الحقِّ في القرآنِ الكريمِ في مواضع؛ منها قولُه تعالى:
{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } [الأنعام: 62]
{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس: 30]
ومنْ حديثِ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - قولُه:
((أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ))([3]).
المعنى في حقِّ اللهِ تعالى:
يدلُّ اسمُ الحقِّ على عدةِ معانٍ؛ منها:
1- أنَّه الحق: وهو المتحققُ كونه وَوجوده، وَكلُّ شيءٍ صحَّ وجودُه وكونُه فهو حقٌّ.
2- أنه المعبودُ بحقٍّ، وكلُّ ما دونه باطلٌ.
3- أنَّ عبادتَه هو الحق النافعةُ الباقيةُ على الدوامِ.
4- أنه الحقُّ في ذاتِه وصفاتِه، كاملُ الصفاتِ والنعوتِ، ووجودُه من لوازمِ ذاتِه، ولا وجودَ لشيءٍ منَ الأشياءِ إلا بِه.
5- أنه الذي لم يزلْ ولا يزال بالجلالِ والجمالِ والكمالِ موصوفًا، ولم يزلْ وَلا يزال بالإحسانِ معروفًا، فقولُه حقٌّ، وَفعلُه حقٌّ، ولقاؤه حقٌّ، ورسلُه حقٌّ، وكتبُه حقٌّ، ودينُه هو الحقُّ، وعبادتُه وحده لا شريكَ له هي الحق، وكلُّ شيءْ يُنسبُ إليه فهو حَقٌّ؛ قالَ تعالى:
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62]([4])
المعنى عندَ المخالفين والمناقشةُ والرد:
أولًا ـ المعنى عند المعتزلة:
الحقُّ: العدلُ([5])، الذي لا ظلمَ في حكمِه([6]).
والحقُّ: الصادقُ([7])، وهو المحقُّ الذي لا يُوصفُ بباطلٍ، وَمَنْ هذه صفتُه لمْ تسقطْ عنده إساءةُ مسيءٍ وَلا إحسانُ محسنٍ، فحق مثله أن يُتَّقَى وتُجْتنب محارمُه([8]).
ثانيًا ـ المعنى عندَ الأشاعرةِ:
الحقُّ: هو الذي في مقابلةِ الباطل([9]).
والحقُّ: العدلُ، وقيلَ: الواجبُ لذاتِه، وقيلَ: المُحِقُّ أي الصادق، وقيلَ: مظهرُ الحقِّ([10]).
والحقُّ: ما لا يسعْ إنكارُه ويلزم إثباتُه وَالاعترافُ به، ووجودُ البارئِ - عز ذكره- أولى ما يجبُ الاعتراف به - يعني عند ورود أمره بالاعترافِ به - ولا يسع جحوده، إذ لا مثبت يتظاهرُ عليه من الدلائل البينةِ الباهرةِ ما تظاهرتْ على وجودِ البارئ جلَّ ثناؤه([11]).
ثالثًا ـ المعنى عند الماتريدية:
الحقُّ: أي الحق في الدنيا وَالآخرةِ([12]).
فهو الحقُّ لأنَّ غيره منَ الآلهةِ التي عبدوها باطلٌ وضلالٌ في الدنيا والآخرةِ([13]).
وتوحيدُ اللهِ وَالإقرارُ بالربوبيةِ له والألوهيةِ هو الحقُّ([14]).
الهوامش:
([1]) ينظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، (حق) (2/15)، واللسان، ابن منظور، (حقق) (4/176).
([2]) ينظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، (1/413)، وتفسير أسماء الله، الزجاج، ص(53).
([3]) رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب إذا انتبه من الليل، (6317)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - ودعائه في الليل، (199).
([4]) ينظر: الحجة في بيان المحجة، الأصبهاني، (1/135)، وجوامع الأصول، ابن الأثير، (4/179)، وتفسير السعدي، ص(534).
([5]) ينظر: الكشاف، الزمخشري، (2/357).
([6]) ينظر: المصدر السابق، (4/282).
([7]) ينظر: المصدر السابق، (3/134).
([8]) ينظر: المصدر السابق، (4/282).
([9]) ينظر: المقصد الأسنى، الغزالي، (202).
([10]) ينظر: الإرشاد، الجويني، ص(144)، المواقف، الإيجي، ص(335).
([11]) ينظر: المنهاج في شعب الإيمان، الحليمي، (1/188)، والأسماء والصفات، البيهقي، (1/45).
([12]) ينظر: تفسير الماتريدي، (4/108).
([13]) ينظر: المصدر السابق، (6/37).
([14]) ينظر: المصدر السابق، (7/537).