التلاوة المثمرة
إن تحقيق هذه الرقابة من القرآن الكريم على العمل لا تكون إلا إذا كانت "التلاوة" مثمرة، وهي التي تكون لها آثارها الملموسة في واقع الإنسان، وواقع الناس، وهي التي تتوفر فيها مواصفات القبول، والتي سبق ذكر بعضها:
ومنها: الصلة الدائمة بالقرآن الكريم بحيث يكون له في كل يوم جلسة مع كتاب الله تعالى، كما قال عثمان رضي الله عنه: إني لأكره أن يأتي علي يوم لا أنظر فيه إلى عهد الله.
وهذا إنما يتوفر إذا ألزم المسلم نفسه بهذه الصلة بغض النظر عن المقدار المتلو كل يوم، كما سبق الحديث عن ذلك، فله أن يقرأ القرآن في شهر أو في شهرين أو أكثر من ذلك، والمهم عدم الانقطاع.. وإذا حصل ذلك يعامل الضرورة استدرك قسط ذلك اليوم في اليوم الذي يليه.
ومنها: التبر والتفكير وإمعان النظر في الآيات المتلوة، فإنما - هي رسائل - كما قال الحسن البصري رحمه الله - من الله تعالى إلى عباده.
وكل منا يعلم كيف يقرأ الرسالة إذا أتته ممن يحب، فربما كرر النظر فيها مرات ومرات يستبطن ما وراء الأحرف من معان.
فإذا كانت هذه الرسالة من خالقه ورازقه؛ فكيف ينبغي أن تكون هذه القراءة؟!
ومنها: جمع القلب والحضور الذهني والقلبي والروحي عند التلاوة.
قال ابن القيم: "إذا أردت الانتفاع بالقرآن، فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله؛ قال تعالى:
{إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]
فقوله:
{وَهُوَ شَهِيدٌ}
أي: شاهد القلب، حاضر غير غائب، قال ابن قتيبة: استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم، ليس بغافل ولا ساه".
ذلك بعض ما ينبغي من أجل تلاوة مثمرة، وفي مقدمة ذلك استشعار القارئ قداسة الكلام الذي يقرؤه، وأنه كلام الله تعالى، وأنه المخاطب به.