جوامع الخير
قال الله تعالى:
{إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]
هذه الآية الكريمة آية جامعة في ميدان الأخلاق فقد أمرت بكل خير، ونهت عن كل شر، وقد نقل ابن كثير عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل:
{إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ} الآية 90
وإن المفردات التي ورد ذكرها في الآية لكل منها شواهد كثيرة من آيات الذكر الحكيم، فما جاء في الآية الكريمة كله مما تكرر الحض عليه أو النهي عنه في الكتاب العزيز.
ويحسن بنا أن نقف أمام ما جاءت به الآية الكريمة:
1- أول الأشياء المأمور بها "العدل"
"العدل الذي يكفل لكل فرد ولكل جماعة ولكل قوم قاعدة ثابتة للتعامل، لا تميل مع الهوى، ولا تتأثر بالود والبغض، ولا تتبدل مجاراة للصهر والنسب، والغنى والفقر، والقوة والضعف، وإنما تمضي في طريقها تكيل بمكيال واحد للجميع، وتزن بميزان واحد للجميع.
2) وإلى جوار العدل "الإحسان".. يلطف من حدة العدل الصارم الجازم، ويدع الباب مفتوحاً لمن يريد أن يتسامح في بعض حقه إيثاراً لود القلوب، وشفاء لغل الصدور، ولمن يريد أن ينهض بما فوق العدل الواجب عليه، ليداوي جرحاً أو يكسب فضلاً.
والإحسان أوسع مدلولاً، فكل عمل طيب إحسان، والأمر بالإحسان يشمل كل عمل وكل تعامل، فيشمل محيط الحياة كلها في علاقات العبد بربه، وعلاقاته بأسرته، وعلاقاته بالجماعة، وعلاقاته بالبشرية جميعاً.
3) ومن الإحسان "إيتاء ذي القربى" وإنما يبرز الأمر به تعظيماً لشأنه، وتوكيداً عليه.
وما يبني هذا على عصبية الأسرة، إنما يبنيه على مبدأ التكافل الذي يتدرج به الإسلام من المحيط المحلي إلى المحيط العام، وفق نظريته التنظيمية لهذا التكافل.
4) {وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ}
والفحشاء: كل أمر يفحش، أي يتجاوز الحد، ومنه: ما خصص به غالباً وهو فاحشة الاعتداء على العرض، لأنه فعل فاحش فيه اعتداء، وفيه تجاوز للحد، حتى ليدل على الفحشاء ويختص بها.
والمنكر: كل فعل تنكره الفطرة، ومن ثم تنكره الشريعة، فهي شريعة الفطرة وقد تنحرف الفطرة أحياناً فتبقى الشريعة ثابتة تشير إلى أصل الفطرة قبل انحرافها.
والبغي: الظلم، وتجاوز الحق والعدل؟
وتختم الآية بقوله: {يَعِظُكُمْ}. أي: يأمركم بما يأمركم به من الخير، وينهاكم عما ينهاكم عنه من الشر {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
إنها رسالة تذكير.. مختصرة ولكنها عامة شاملة.
ولما كانت الآية عامة داعية للخير محذرة من الشر، فقد اعتاد كثير من خطباء الجمعة أن يختموا خطبهم بها.