الهداية إلى الاستقامة
قال الله تعالى:
{إِنَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْأَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإسراء: 6 - 10]
{إِنَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ}
"هكذا - {أَقْوَمُ} - على وجه الإطلاق فيمن يهديهم، وفيما يهديهم" فيشمل الهدى أقواماً وأجيالاً بلا حدود من زمان أو مكان، ويشمل ما يهديهم إليه: كل منهج وكل طريق، وكل خير يهتدي إليه البشر في كل زمان ومكان.
* يهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور، بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق.
* ويهدي للتي هي أقوم في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله، فإذا هي كلها مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلعة إلى أعلى وهي مستقرة على الأرض، وإذا العمل عبادة متى توجه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعاً واستمتاعاً بالحياة.
* ويهدي للتي هي أقوم في عالم العبادة، بالموازنة بين التكاليف والطاقة فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل وتيأس من الوفاء، ولا تسهل وتترخص حتى تشيع في النفس الرخاوة والاستهتار، ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال.
* ويهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض، أفراداً وأزواجاً، وحكومات وشعوباً، ودولاً وأجناساً، ويقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة، التي لا تتأثر بالرأي والهوى، ولا تميل مع المودة والشنآن، ولا تصرفها المصالح والأغراض.
هذه الأسس التي أقامها العليم الخبير لخلقه، وهو أعلم بمن خلق، وأعرف بما يصلح لهم في كل أرض وفي كل جيل، فيهديهم للتي هي أقوم في نظام الحكم، ونظام الإنسان.
* ويهدي للتي هي أقوم في تبني الديانات السماوية جميعها، والربط بينها كلها، وتعظيم مقدساتها، وصيانة حرماتها، فإذا البشرية كلها بجميع عقائدها السماوية في سلام ووئام".
{وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}
إن هذا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم، من جملة هدايته أنه يبشر المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالأجر الكبير، كما يتوعد الكافرين الذين لا يؤمنون بالآخرة بالعذاب الأليم الذي ينتظرهم.
وتخصيص ذكر عدم إيمانهم بالآخرة من بين بقية أركان الإيمان ذلك - والله أعلم - لأن الإيمان باليوم الآخر هو الذي يصحح سلوك الإنسان في الحياة الدنيا، لأنه يؤمن أنه محاسب عليه في الأخرة.
وبعد:
فإن الرسالة المستفادة من الآيتين هي التعرف على مكانة القرآن الكريم وأن على المسلم أن يدور معه حيث دار، فينفذ أوامره، وينتهي عما نهى عنه، وان تكون صلته به دائمة فيتلوه ما أُتيح له ذلك.