مثل الحياة الدنيا
قال الله تعالى:
{ٱعْلَمُوٓا أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌۢ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَوْلَٰدِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمًا ۖ وَفِى ٱلْأَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ ۚ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ}
[الحديد: 20]
هذه الآية الكريمة تبين حقيقة الحياة الدنيا وتبدأ بكلمة {ٱعْلَمُوٓا} فهي تلفت النظر وتنبه المخاطبين إلى الإصغاء ليعلموا ما يلقى إليهم.
فالحياة الدنيا لعب ولهو.
ثم تضرب المثل لذلك.
ثم تقرر حقيقة الآخرة وما فيها.
"والحياة الدنيا حين تقاس بمقاييسها هي، وتوزن بموازينها، تبدو في العين وفي الحس أمراً عظيماً هائلاً، ولكنها حين تقاس بمقاييس الوجود، وتوزن بميزان الآخرة تبدو شيئاً زهيداً، وهي هنا في في هذا التصوير تبدو لعبة أطفال بالقياس إلى ما في الآخرة من جد تنتهي إليه مصائر أهلها بعد لعبة الحياة.
لعب، ولهو، وزينة، وتفاخر، وتكاثر.
هذه هي الحقيقة وراء كل ما يبدو فيها من جد حافل، واهتمام شاغل..
ثم يضرب القرآن مثلاً على طريقته المبدعة
{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ}
والكفار هنا هم الزراع، والزارع يكفر أي يحجب الحبة ويغطيها في التراب.
فالزارع يزرع الحب، ويعجب بنباته بعد نزول الغيث.. ثم يهج هذا الزرع فيصفر لونه بعد أن كان أخضر نضراً، ثم يكون بعد ذلك حطاماً يابساً متكسراً.
هكذا الحياة الدنيا، تكون اولاً شابة، ثم تكتهل، ثم تكون عجوزاً شوهاء.
أما الحياة الآخرة فلها شأن آخر، شأن يستحق أن يحسب حسابه، ويستعد له.. فهي لا تنتهي في لمحة كما تنتهي الحياة الدنيا، وهي لا تنتهي إلى حطام كالنبات الذي بلغ أجله، ولكنها
{عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ}
وأما الحياة الدنيا فهي متاع الغرور.
وهكذا فالآية الكريمة تضع بين أيدينا حقيقتين:
- حقيقة الحياة الدنيا.. وأنها متاع الغرور.
- وحقيقة الحياة الآخرة وأنها
{عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ}
وبعد هذا البيان يأتي التوجيه القرآني الكريم ليقول:
{سَابِقُوٓا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ}
[الحديد: 21]