الحق المبين
كنت أحدث صاحبي عن أسعار حملات الحج، وأنها بلغت مستويات قياسية ولاسيما مع تحديد أعداد الحجاج وبقاء أسعار السكن والتنقل عالية في مكة.. وكان صاحبي قد أدى الفريضة فقط ولم يحج بعدها.
– ما رأيك أن نذهب للحج هذا العام؟
لم أتردد..
– ليكن إذا كنت عازماً.
وبالفعل قمنا بالاتصال ببعض الحملات وخلال يومين أتممنا المطلوب لأداء هذه الشعيرة العظيمة من فضل الله تعالى.
اجتمعنا بعدها مع بقية الحجاج للتعارف قبل السفر بأسبوع، أخذنا ركناً بعد فض الاجتماع، كنا أربعة نفر.
– هل من الذكر أن يردد العبد اسماً من أسماء الله الحسنى مثلا: يقول: حي.. حي.. حي..؟
– كلا ليس هذا من الذكر، بل إلى البدعة أقرب؛ وذلك أنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واللغة العربية التي أنزل بها القرآن لا تؤيد هذا النوع من الذكر.. فلا معنى له لغة ولا شرعاً. المرء في الذكر إما أن يثني على الله أو يعظمه أو يقدسه أو يدعو أو غير ذلك مما له معنى في شريعتنا.
تدخل (بوفهد) عبدالرحمن.. وكنا قد توقفنا عن التواصل لأكثر من عشر سنوات، وقدر الله أن يكون ضمن حجاج حملتنا.
– ما دمت تبحث في الأسماء الحسنى.. هل (الحق) من الأسماء الحسنى؟
نعم، (الحق) اسم من أسماء الله الحسنى ورد في كتاب الله -عزوجل- سبع مرات واقترن بـ(المبين) مرة واحدة.
– هل (المبين) من أسماء الله الحسنى؟!
– نعم، وفق القواعد التي ذكرناها من الثبوت والعَلَميه والإطلاق والكمال وغيرها مما ورد في كتاب الرضواني: (الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة).. دعن أذكر لك بعض الآيات التي ورد فيها اسم الله (الحق).
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (الحج:6)
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (الحج:62)
{فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ} (يونس:32)
{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه:114).
– والله هذه معلومة جديدة – جزاك الله خيرا- في أسماء الله الحسنى.
أحدنا لا يزال يتعلم حتى أبسط مبادئ الدين. دعني أذكر لك حادثة حصلت لي منذ أسابيع.. كنت أؤم الناس في صلاة المغرب، بعد الصلاة اقترب مني شاب -غير ملتح- قال: «يا شيخ أظن أنك لا تظهر الكسرة في الرحمن عند قراءتك الفاتحة (الرحمن الرحيم) تقرؤها أقرب إلى السكون منها إلى الكسر).
شكرته، وأثنيت عليه، وبالفعل انتهيت إلى هذا الأمر منذ ذلك اليوم.
– وماذا ورد في التفسير واللغة عن (الحق المبين)؟
(الحق): خلاف الباطل، وأصل الحق المطابقة والموافقة والثبات وعدم الزوال.
(المبين): (بان) اتضح وكذا (أبان) فهو (مبين)؛ فالله سبحانه وتعالى هو (الحق المبين)، فلا يصدر إلا حقاً ولا يقول إلا حقاً ولا يأمر إلا بالحق.. وقد وصف الله -عزوجل- بأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق المبين؛ لأنه من عند الله. {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} (النمل:79).
يقول (ابن القيم) رحمه الله: «وفي ذكر أمره بالتوكل مع إخباره بأنه على الحق: دلالة على أن الدين بمجموعه في هذين الأمرين: أن يكون العبد على الحق في قوله وعمله واعتقاده ونيته وأن يكون متوكلاً على الله واثقاً به فالدين كله في هذين المقامين. وماذا عن التفسير في الآية من سورة النور؟
اقترن اسم الله (الحق) باسم الله (المبين) في ذكر ما يكون يوم القيامة؛ ليقيم الحجة على المنافقين والمرتابين الذين يشكون في الله ووعد الله والجنة والنار. كل ذلك ينبغي أن يزول؛ لأن الله هو (الحق المبين) الذي لا لبس فيه بعد أن أقام البراهين الساطعة، وأرسل وأنزل الكتب في الدنيا.. فمن شك بعد ذلك في (الحق المبين) فإنه سيتيقن هذا الأمر يوم القيامة عندما يوفيهم الله دينهم (جزاءهم).. فتزول الشكوك عنهم، ويعلمون أن الله حق والجنة حق والنار حق، ولكن بعد فوات الوقت.
نسأل الله العافية.
