شرح أسماء الله الحسنى - الرزاق
أولا / المعنى اللغوي :
الرِزْقُ: ما يُنْتَفَعُ به والجمع أرْزاقُ، والرِزْقُ العطاءُ،.
وقوله تعالى: “وتجعلون رِزْقَكُمْ أنكم تُكَذِّبونَ” أي شُكْرَ رِزْقِكُمْ.
ثانيا / وروده في القرآن الكريم :
ورد في القرآن مرة واحدة في قوله تعالى ( إن الله هو الرزاق ) سورة الذاريات 58
وورد في السنة الرازق يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق“
ثالثا / المعنى في حق الله تعالى :
معني اسم الله الرزاق: هو خالق الأرزاق والمتكفل بإيصالها لجميع خلقه.
والفرق بين الرازق والرزاق : الرازق اسم فاعل وأما الرزَّاق فهو صيغة مبالغة، والمعنى أنه يرزق جميع المخلوقات مهما كثر عددهم.
رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل :
إن الحديث عن الرزق حديث ذو أهمية بالغة، وخاصة في هذا الوقت الذي ضعف فيه إيمان كثير من الناس بربهم، وأن الرزق بيده، وأنه المتكفّل بالأرزاق؛ مما جعل اعتمادهم وللأسف على خلق مثلهم، يرجونهم أو يخشونهم على أرزاقهم.
وإن الإيمان بهذا الاسم سيحل الكثير من المشاكل كالقلق والخوف من المستقبل ، والجرأة على أكل الحرام ،والحسد ، واستحلال الربا وتبرير الرشوة ، وجرائم القتل والسرقة من أجل المال التي سببها عدم أو ضعف الإيمان باسم الله الرزاق .
ونتناول هذا الاسم الجليل من خلال النقاط التالية :
رزق جميع الكائنات على الله :
فالله سبحانه تكفل للخلق بالرزق مهما كانوا وأينما كانوا، مسلمين وكافرين، إنسًا وجنا، طيرًا وحيوانا، وهو سبحانه كما يقول البلغاء يرزق النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.
قال تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}هود 6
وكلمة ( الدابة ) جاءت نكرة لتفيد الشمول، لتشمل هذه الكلمة كل شيء يدب على وجه الأرض، و( مِن ) تفيد استغراق أفراد النوع.
ويذكر أحدهم وكان لديه قط يهتم به وبطعامه، وكان يعطيه كل يوم ما يكفيه من الطعام، ولاحظ رب البيت أن القط لم يَعُد يكتفي بالقليل مما يقدّم له من الطعام، فأصبح يسرق غير ما يُعطى له، فرصده صاحبه وجعل يراقبه، فوجده يذهب بالطعام إلى قط أعمى! فيضع الطعام أمامه ليأكله، فتبارك الله، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا.
وصدق من قال :
فلو كانت الأرزاق تجري على الحِجى —- هلكـنَ إذًا من جهلهن البهـائمُ
وأصحاب الحجى هم أصحاب الألباب والعقول فلو أن الأرزاق معلقة بالعقول لهلكت البهائم .
وقال تعالى : {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} الذاريات 22، 23.
وقال تعالى ( لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) طه 132
فالرزق ليس على فلان أو علان إنما هي أسباب هيأها الله في الكون لييسر على العباد معايشهم، فما يتحصله الناس من وظائف أو مهن ؛ إنما هي أسباب لنيل رزق الله ، بل أؤكد أن ذكاء الإنسان لن يزيد في رزقه شيئا وقلة ذكائه لن تنقص من رزقه شيئا ، وقد كان الناس إلى وقت قريب يطمحون لنيل وظيفة حكومية بأي سبيل بالواسطة أو بالرشوة وكأن الحاصل على وظيفة من العشرة المبشرين بالجنة !!!
التوكل على الله في طلب الرزق :
إذا أيقنا أن الرزق بيد الله وحده فعلينا الأخذ بالأسباب قال تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) الملك 15
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ) وللأسف فما أكثر الذين تغيرت قلوبهم فأصبحوا يتوكلون ويؤملون في دنياهم وأرزاقهم على خلق مثلهم، ونسوا الخلاّق الرزاق مدبر الأمور ومصرّف الدهور سبحانه.
وقَوْله ( تَغْدُو ) أَيْ تَخْرُج مِنْ أَوَّل النَّهَار ، ( خِمَاصًا ) جِيَاعًا ، ( وَتَرُوح ) أَيْ آخِر النهار،( بِطَانًا ) أَيْ مُمْتَلِئَة الأجواف .
ولما رأى عمر أناساً يسألون الناس في الحج قال: من أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل على الله .
قصة النملة مع سليمان :
ومن طريف الأمر قصة ذكرها ابن القيم في بعض كتبه : قيل إن نبي الله سليمان عليه السلام سأل نملة : كم تأكلين في العام؟
قالت: آكل حبتين من القمح.
فوضع لها حبتين من القمح، ومضى عام كامل، فنظر إليها فوجدها قد أكلت حبة واحدة من القمح وأبقت على الأخرى!!!
فقال لها: ألم تخبريني أنك تأكلين في كل عام حبتين من القمح؟! فلماذا أكلت حبة واحدة ؟
فقالت النملة: يا نبي الله ، كنت آكل حبتين من القمح وأنا متيقنة بأن الله الرازق سيبعث إليّ بغيرها، لكنني لما علمت أنك الذي توليت أمري خفت أن تنساني فأكلت حبة وادخرت الحبة الأخرى للعام القادم.
كيف يكسب الناس الأرزاق ؟
قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُون)10 سور الأعراف
جعل الله لنا معايش في الأرض، أي: أسباب لكسب الرزق، وجعلها متناسبة مع الإنسان.
نتأمل مثلا التقلبات الجوية مابين حر وبرد ، فكم من إنسان يعيش على الحر المكيفات والثلج ،والملابس ،والمشروبات الباردة ، ونضج أغلب الفاكهة في الصيف والسفر للسياحة من الأماكن الحارة …..الخ
وكم من إنسان على الأرض يعيش على البرد ؟ ملابس شتوية ، وتدفئة ، وأمراض ، ورياضة التزحلق على الجليد …..الخ
وكم من إنسان في الأرض يعيش على التعليم والجامعات؟ من مدرسين وإداريين وطباعة كتب والوسائل المرتبطة بالنواحي التعليمية ….الخ
وكم من إنسان يعيش على المرض ؟ أطباء وممرضين وأدوية ومستشفيات وعيادات وأبحاث ودراسات ، وعمال وفنيين ………الخ
وهكذا لو تأملنا هذا الأمر جيدا لرأينا كيف هيأ الله المعايش لعباده بطريقة عجيبة ،وترتيب محكم دقيق فسبحان الله العظيم !!!
الخبرات:
وأحد أسباب كسب الرزق الخبرات، إما خبرات في الطب، أو الهندسة، أو الفيزياء، أو الكيمياء، أو الرياضيات، أو الفلك، أو في صنعة، أو في حرفة، أو في مهارة، أو في شيء آخر، فكلّ إنسان يعيش بالخبرة التي يملكها من حرفة يحترفها، من مهنة يمتهنها، فهي خبرات متراكمة.
فالله عز وجل فضلاً على أنه خلق لنا الأرزاق، وجعلها متوافقة توافقا تاماً مع خلق الإنسان، أعطانا وسائل لكسب الرزق، كل واحد منا له عمل، والعمل بفضل مهارات يملكها وخبرات، هذا بالتجارة، وهذا بالصناعة، وهذا بالزراعة، وهذا بالطب، وهذا بالهندسة، وهذا بالتدريس، وهذا بالفيزياء، وبالكيمياء، وبالحقوق لحل مشكلات الناس، كل إنسان يعيش من حرفة، من مجموعة خبرات متراكمة يستخدمها لكسب المال، إذاً: الله عز وجل جعل لنا معايش.
قال الشافعي رحمه الله:
توكلتُ فِي رزقي على الله خالفي —- وأيقنتُ أن الله لا شـك رازقـي
ومـا يكُ من رزقـي فليس يفوتني —- ولو كان في قاع البحـار العوامق
سيـأتي بـه الله العظيـم بفضلـه —- ولو لم يكن مني اللسـانُ بنـاطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة — وقد قسم الرحمـن رزق الخلائق؟
لا يطلب الرزق بمعصية الله :
فعلى المسلم أن يسلك الأسباب الحلال لطلب الرزق وليعلم أن رزقه مقسوم ومقدور فلا حيلة في الرزق ولا شفاعة في الموت ، ورزق الإنسان يطلبه كما يطلبه أجله وقد حذَّرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – من أن تتعلق قلوبنا بتحصيل أرزاقنا؛ فننسى الله – تعالى – والدار الآخرة، ونُشْغَل عن العمل الصالح بالجمع والتحصيل، والعد والتنمية، ولربما شحت نفوسنا عن أداء حق الله – تعالى – في أموالنا، أو امتدت أيدينا إلى ما لا يحل لنا؛ فنكون كالذي يأكل ولا يشبع، ويجمع ولا ينتفع! نعوذ بالله من نفوس لا تشبع، ومن قلوب لا تخشع.
عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه لا يستبطئن أحد منكم رزقه إن جبريل عليه السلام ألقى في رُوعي( بضم الراء ) أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصية ) رواه الحاكم بسند صحيح.
ولو دققنا في أسباب أكثر المعاصي لوجدناها من أجل المال، آه لو أيقنّا يقيناً قطعياً أن الله عزَّ وجل بيده الرزق وحده ؛ يكثِّره أو يقلله، يضيقه أو يوسعه، يسهله أو يعسره، وأن الواحد منا لن ينال ما عند الله عزَّ وجل إلا بطاعته.
وإذا توهَّم إنسان أنه بمعصية الله عزَّ وجل يزداد رزقه ، قد يأتيه رزقٌ وفير بادئ ذي بدْء، ثم يُمْحَق، ثم يتلف، ثم يُهلك.
وصدق الشاعر حينما قال :
لا تعجلن فليس الرزق في العجل — الرزق في اللوح مكتوب مع الأجل
ولو صبرنا لكان الرزق يطلبنا — لكنه الإنسان خلق من عجل
أحد الناس الطيبين كان يذكر مثالا طريفا يقول دخل المال الحرام على المال الحلال فبكى المال الحلال فقال له المال الحرام لا تخف سآخذك معي ونرحل .
إشارة إلى أن المال الحرام سببا لذهاب البركة .
كما قال الشاعر :
جمع الحرام إلى الحلال ليكثره — أخذ الحرامُ الحلال فبعثره
فمن استعجل الرزقَ بالحرام مُنِع الحلالَ؛وعوقب بذهاب البركة فقد ذكر أن عليا رضي الله عنه دخل مسجد الكوفة فأعطى غلامًا دابته حتى يصلي، فلما فرغ من صلاته أخرج دينارًا ليعطيه الغلام، فوجده قد أخذ خطام الدابة وانصرف، فأرسل رجلا ليشتري له خطامًا بدينار، فاشترى له الخطام، ثم أتى فلما رآه علي رضي الله عنه، قال سبحان الله! إنه خطام دابتي، فقال الرجل: اشتريته من غلام بدينار، فقال علي رضي الله عنه: سبحان الله! أردت أن أعطه إياه حلالا، فأبى إلا أن يأخذه حراما!.
الخطام : هو الحبل الذي يقاد به البعير.
كثرة الأموال ليس علامة لحب الله للعبد :
الرزق بيد الله – جل وعلا -، فالعطاء عطاؤه، والمنُّ مَنُّه، وكلٌّ بيده – جل وعلا -، ورزقه لعباده على نوعين:
رزق عام، يشمل البر والفاجر، والمؤمن والكافر، كما في قوله – تعالى-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) هود: 6
وهذا عطاء عام لا يختص به أحد دون أحد، قال الله – جل وعلا -: (كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) الإسراء: 20
أي: المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار.
هذا عطاء عام، وهو عطاء للطعام والشراب والغذاء والملبس والمسكن ونحو ذلك، وهذا النوع من العطاء لا يدل على رضا الله- تبارك وتعالى -عمن أعطاه، فإنه – جل وعلا – يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب.
ويؤكد هذا المعنى حديث عبد الله بن مسعود (إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، و إن الله يعطي الدنيا من يحب و من لا يحب ، و لا يعطي الإيمان إلا من أحب ) صححه الألباني
وسُئل احد السلف:لم سمي الله خير الرْْازقين ؟
فأجاب :لأنه إذا كفر به عبده لم يقطع رزقه عنه وهو كافر به .
فسبحان الله عطائه ورزقه مستمر حتى لمن يكفر به ويعطيه نعيمه في الدنيا وأما الآخرة فإنه – جل وعلا – لا يعطيها إلا من أطاع.
ونتأمل في هذا المعنى قول الله -تبارك وتعالى-: (فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) الفجر: 15، 16
قال – جل وعلا -: (كَلاَّ)، أي: ليس الأمر كذلك، أي: ليس الأمر -أنَّ الإنسان إذا أُعطي وأُكرم في الدنيا- دليلاً على إكرام الله له ورضاه عنه، وليس أيضًا التضييق على الإنسان في طعامه ورزقه دليلاً على عدم رضا الله عنه وإهانته له، (كَلاَّ)، أي: ليس الأمر كذلك، فإنه – جل وعلا – يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، والعطاء في الدنيا من الإنعام والملبس والمسكن ليس دليلاً على الرضا، وكذلك التضييق في ذلك ليس دليلاً على إهانة الله لعبده.
والعطاء والمنع في الدنيا كل ذلك ابتلاء من الله- تبارك وتعالى -لعباده، فهو – جل وعلا – يبتلي عباده بالغنى كما يبتليهم بالفقر، ويبتليهم بالصحة كما يبتليهم بالمرض، ويبتليهم بالرخاء كما يبتليهم بالشدة، فالدنيا دار امتحان وابتلاء واختبار.
الرزق ليس هو المال فقط :
هناك فرق بين الرزق والكسب، فالكسب هو المال الذي تحصل عليه نظير عمل ما، كأن يكون راتبك الشهري مثلا مبلغا معينا.. وهذا المبلغ هو الذي تقوم على أساسه حياتك، وتنظم مشترياتك وقضاء حاجاتك..
أما الرزق فهو كل ما يُنتَفع به؛ فالرزق أشمل وأعم من المال، وما كسب المال إلا صورة من صور الرزق، فالأب الصالح رزق، والأخ الطيب رزق، والأم الحانية رزق، والزوجة الخيِّرة رزق، والابن الطائع رزق، والمدير المتفاهم العادل رزق، والصحة رزق، انتفاعك بالموعظة رزق، حب الناس رزق.
وقد تكلم العلماء عن الرزق فذكروا أن هناك رزقًا عامًا كفله الله لجميع المخلوقات بمن فيهم البشر مؤمنهم وكافرهم، وهو الذي قال الله فيه: “وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ”
ورزق ثانٍ هو للمؤمنين من عباده، وهو بالنسبة للرزق العام بمثابة الروح من الجسد، وهو البركة، هذه البركة التي تجعلنا نتساءل: هل الرزق بكثرته؟
هل هو بالكَّم أم بما ينتفع به من هذا الكمّ؟
والحقيقة التي أثبتتها تجارب الحياة، أن الرزق لو نزع منه البركة لا نراه كافيا مهما زاد، ولا نراه معينا مهما جمعنا منه، والقليل المبارك فيه نهر من الخير يجري ولا ينقطع مداده قال تعالى [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] {الأعراف:96} .
ثمار الإيمان بالاسم الجليل :
1- اليقين بأن الرزق والأجل بيد الله وحده:
قال تعالى :(يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا اله إلا هو فأنى تؤفكون ) فاطر (3)
وأكثر شيء يقلق الإنسان الخوف على رزقه وأجله، وأخشى ما يخشاه انقضاء أجله وانقطاع رزقه، لذلك لو علم الناس علم اليقين أن آجالهم بيد الله، وأن إنساناً واحداً على وجه الأرض لا يستطيع أن يحدِّدها، وأن أرزاقهم بيد الله، وأن أي جهةً على وجه الأرض مهما عظمت لا تستطيع أن تمنع ، ولا أن تعطي، فإذا أيقنت يقيناً قطعياً أن حياتك بيد الله ، وأن الذي منحك الحياة هو وحده يُنْهِي هذه الحياة ، وأن الذي خلقك هو الذي تكفَّل برزقك، لو أيقن الإنسان بهاتين الحقيقتين لأصابته سكينة عجيبة ليقينه بالله .
2- العزة في طلب الرزق :
لماذا التملق والنفاق إذا كنت توقن أن الرزق بيد الله؛ وأن الله بيده كل شيء، وأن كل من تراه من بني البشر هم بيد الله عزَّ وجل، فلا تهن نفسك ولا تذلها إلا لله وحده ،وكما ورد في الأثر ( اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس , فإن الأمور تجري بالمقادير)
ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لحفر بئر بإبرتين..ونزح بحرين بغربالين ،وكنس أرض الحجاز بريشتين..وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا كأبيضين..خير من الوقوف على باب لئيم يعطيك أو يمنعك .
وقـال الإمام الشافعي :
أنا إن عشت لست أُعدم قوتا ** وإذا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك ونفسـي** نفس حر ترى المذلة كفرا
وإذا ما قنعت بالقوت عمري** فلماذا أخاف زيدا وعمروا
3- الطمأنينة بعد اليقين بأن الله هو الرزاق :
فالمؤمن الحق الذي يفهم قضية الرزق فهمًا صحيحًا لن تستشرف نفسه ما في أيدي الناس، ولن تتطلع عينه على ما في خزائنهم، ولن تمتد يده إلى ما حرم الله – تعالى – عليه مهما كلف الأمر؛ لعلمه أن الذي خلقه سيرزقه.
والعبدَ إذا أيقن بأن الأجل محدد، وأن الرزق مقدر، واطمأن قلبه بذلك؛ فإنه لن يجزع من فقر أصابه، أو جائحة أتلفت ماله، ولن يشغل نفسه بالدنيا عن عمل الآخرة؛ لأنه يعلم أنه مهما سعى واجتهد وأجهد نفسه فلن يكتسب إلا ما كُتب له.
ولذا قال الحسن: “إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله عز وجل”
وروي عن ابن مسعود قال: (إن أرجى ما أكون للرزق إذا قالوا: ليس في البيت دقيق)
وقال الإمام أحمد: “أسرّ أيامي إليّ يوم أُصبح وليس عندي شيء”
وقيل لأبي حازم الزاهد: ما مالُك؟
قال: لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس.
وقيل: أما تخاف الفقر؟!
فقال: أخاف الفقر ومولاي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى؟!
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: “من وثق بالله في رزقه زاد في حسن خلقه، وأعقبه الحلم، وسختْ نفسه، وقلّت وساوسه في صلاته”.
ومر إبراهيم بن أدهم على رجل ينطق وجهه بالهم والحزن فقال له إبراهيم :
يا هذا إني أسالك عن ثلاثة فاجبني : فقال له الرجل نعم
فقال له إبراهيم : أيجري في هذا الكون شي لا يريده الله ؟
فقال : لا
قال : أينقص من أجلك لحظة كتبها الله لك في الحياة ؟
قال : لا
قال : أينقص رزقك شي قدره الله.
قال : لا
قال إبراهيم : فعلام الهم إذن ؟
وسئل الحسن البصري رحمه الله ما سر زهدك في الدنيا ؟
قال أربعة أشياء :
* علمتُ أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي
* وعلمتُ أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به وحدي
* وعلمتُ أن الله مطلع عليّ فاستحييت أن يراني على معصية
* وعلمتُ أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربي
4- السعي والأخذ بالأسباب :
لا بد مع اليقين بأن الله هو الرزاق من بذل الأسباب والجد في طلب الأرزاق ووجوه المكاسب المباحة التي أباحها الله -تبارك وتعالى- لعباده، كما قال – جل وعلا -: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) الملك: 15
ومع بذل الأسباب لا بد من طلب الرزق من الله – جل وعلا -، (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) العنكبوت: 17.
5- كثرة الأموال ليس من علامات حب الله للعبد :
وهذا اعتقاد الكافرين قديما حينما قالوا -كما حكى القرآن عنهم- : (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَولادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) سبأ
وقال تعالى (فلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) التوبة
6- الطاعة سبب للبركة في الرزق والمعاصي سبب للمحق والحرمان :
قال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ …..(3) الطلاق
وقال تعالى (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) الجن
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (الدعاء يرد القضاء، و إن البر يزيد في الرزق، و إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه )
فاللهم متعنا بما رزقتنا وزدنا من فضلك وجودك يا حي يا قيوم ، اللهم اجعلنا من أوثق خلقك بك… وأفقر عبادك إليك ، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى قوتنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين ولا أقل من ذلك يا رب العالمين.
اللهم وما رزقتنا من رزق فاجعله عونًا لنا على طاعتك ، ومقربًا لنا إلى مرضاتك. ومتاعًا لنا إلى حين.