معنى اسم الله السلام
قال الله تعالى:
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 23، 24].
وفي السنة المطهرة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السلام وَمِنْكَ السلام، تَبَارَكْتَ ياذا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ[1].
وقال ابن فارس في معجم مقايس اللغة: الله جلَّ ثناؤُه هو السلام، لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء.
ومثله لابن منظور في لسان العرب: والسلام اللَّه عز وجل اسم من أَسمائه لسَلامته من النقص والعيب والفناء؛ حكاه ابن قُتيْبَة.
وقيل: معناه أَنه سَلِمَ مما يَلْحَق الغير من آفات الغِيَر والفناء، وأَنه الباقي الدائم الذي تَفْنى الخلق ولا يَفْنى وهو على كل شيء قدير.
وقد ذهب القرطبي إلى عدة أقوال في تفسير اسمه تعالى (السلام)؛ أي: ذو السلامة من النقائص، فقال: اتفق العلماء رحمة الله عليهم على أن معنى قولنا في الله "السلام": النسبة، تقديره ذو السلامة، ثم اختلفوا في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال، وذكر منها: معناه الذي سلم من كل عيب وبرِئ من كل نقص.
وقال ابن القيم: ولَمَّا كان السلام اسمًا من أسماء الرب تبارك وتعالى، وهو اسم مصدر في الأصل كالكلام والعطاء، بمعنى السلامة، كان الرب تعالى أحقَّ به من كل ما سواه؛ لأنه السالم من كل آفة وعيب ونقص وذمٍّ، فإن له الكمال المطلق من جميع الوجوه وكماله من لوازم ذاته، فلا يكون إلا كذلك، والسلام يتضمن سلامة أفعاله من العبث والظلم وخلاف الحكمة، وسلامة صفاته من مشابهة صفات المخلوقين، وسلامة ذاته من كل نقص وعيب، وسلامة أسمائه من كل ذمٍّ، فاسم السلام يتضمن إثبات جميع الكمالات له، وسلب جميع النقائص عنه، وهذا معنى سبحان الله والحمد لله، ويتضمن إفراده بالألوهية وإفراده بالتعظيم، وهذا معنى لا إله إلا الله، والله أكبر، فانتظم اسم السلام الباقيات الصالحات التي يُثنى بها على الرب جل جلاله، ومن بعض تفاصيل ذلك أنه الحي الذي سلِمت حياته من الموت والسِّنة والنوم والتغير، القادر الذي سلِمت قدرته من اللغوب والتعب والإعياء والعجز عما يريد، العليم الذي سلم علمه أن يعزب عنه مثقال ذرة، أو يغيب عنه معلوم من المعلومات، وكذلك سائر صفاته على هذا، فرضاه سبحانه سلام أن ينازعه الغضب، وحلمه سلام أن ينازعه الانتقام، وإرادته سلام أن ينازعها الإكراه، وقدرته سلام أن ينازعها العجز، ومشيئته سلام أن ينازعها خلاف مقتضاها، وكلامه سلام أن يعرض له كذب أو ظلم، بل تمت كلماته صدقًا وعدلًا، ووعده سلام أن يلحقه خلف، وهو سلام أن يكون قبله شيء أو بعده شيء، أو فوقه شيء أو دونه شيء، بل هو العالي على كل شيء، وفوق كل شيء، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، والمحيط بكل شيء، وعطاؤه ومنعه سلام أن يقع في غير موقعه، ومغفرته سلام أن يبالي بها أو يضيق بذنوب عباده، أو تصدر عن عجز عن أخذ حقِّه كما تكون مغفرة الناس، ورحمته وإحسانه ورأفته وبره وجوده، وموالاته لأوليائه وتحبُّبه إليهم وحنانه عليهم، وذكره لهم وصلاته عليهم - سلام أن يكون لحاجة منه إليهم أو تعزُّز بهم أو تكثُّر بهم، وبالجملة فهو السلام من كل ما ينافي كلامه المقدس بوجه من الوجوه[2].
أما أبو حامد الغزالي فيقول في شرح هذا الاسم من أسمائه تعالى: هو الذي تسلَم ذاته عن العيب وصفاته عن النقص وأفعاله عن الشر... وكل عبد سلِم عن الغش والحقد والحسد، وإرادة الشر قلبُه، وسلمت عن الآثام والمحظورات جوارحُه، وسلم عن الانتكاس والانعكاس صفاتُه، فهو الذي يأتي الله تعالى بقلب سليم[3].
=======================================
[1] صحيح مسلم ج4 ص 121.
[2] أحكام أهل الذمة ج1 ص 414، ومثله في بدائع الفوائد ج2 ص 150 وما بعدها، ابن القيم.
[3] المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى ص 69، أبو حامد الغزالي.