خطبة بعنوان: الأحد الصمد
مع دخول فصل الشتاء أصبح وقت العشاء مبكرا، يضطر المرء إلى إعادة جدولة نشاطاته اليومية، تحولت نشاطات (بعد العصر) إلى ما بعد العشاء، عدا نشاط واحد لا يتبدل مطلقا وهو موعد زيارة الوالدة بعد صلاة عشاء الخميس والاجتماع الأسبوعي مع الأسرة الكبيرة.
دار نقاش قبل اكتمال حضور الجميع بدأ بسؤال الوالدة:
– ما معنى (الصمد)؟!
– (الصمد) اسم من أسماء الله الحسنى ومعناه (المقصود) الذي يتوجه إليه الجميع في كل حوائجهم، و(الصمد) هو الذي لا يحتاج إلى أحد وكل أحد سواه يحتاج إليه، بمعنى آخر هو الذي تتعلق به قلوبنا وعقولنا فنتوجه إليه ليقضي لنا ما نحتاج من أمور ديننا ودنيانا، نتوجه إليه ليهدينا، ويطعمنا، ويسقينا، ويشفينا، ويعافينا، ويدخلنا الجنة بعد مماتنا، فنحن نحتاج إلى (الصمد) ونتوجه إليه، وهو سبحانه لا يحتاج إلى شيء منا بل هو سبحانه مستغن عن جميع المخلوقات.
أخذت الوالدة تقرأ سورة الإخلاص، وما أن انتهت حتى سألت:
– وما معنى (الأحد)؟
كان شقيقي الأصغر (جابر) منصتا.. كأنما يسمع شيئا جديدا.
(الأحد)، أصله (وحد)، ومعناه (المنفرد) و(الفرد)، الذي لا ثاني له، ولا مثل له، كأنك تقول (متوحّد)، بمعنى (متفرد)، فالله -سبحانه- (منفرد) بالألوهية، وهو (واحد)، لا ولد له، ولا صاحبة، فلا شريك له ولا ند له، ولا ثاني له، سبحانه وتعالى؛ ولذلك جمع الله -سبحانه وتعالى- الاسمين في سورة الإخلاص، التي هي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد}؛ فحيث إنه واحد، متفرد، أحد، وجب ألا يتجه العبد إلى سواه، في عظائم الأمور، كالعبادة، والدعاء، والنية، والقصد، أو صغائر الأمور من حوائج الدنيا.
بدأت الوالدة تقرأ سورة الإخلاص مرة ثانية.
– وعندما نتعمق في اللغة العربية، فإن قولنا (الله الصمد)، (صيغة قصر)، بمعنى لا أحد يملك صفة الصمدية إلا الله سبحانه، وهذا ينسف عقيدة الجاهلية، وعقيدة الشرك -عموما- عندما يتعلق القلب بغير الله، و(يصمد) العبد إلى غير الله لقضاء حاجاته، سواء (صمد) إلى (صنم)، أم (ضريح) إمام، أم (قبر ولي)، أم أي رمز مقدس، فلا قاضي للحاجات إلا الله سبحانه وتعالى.
بدأ الإخوان وأبناؤهم بالتوافد، وانقطع الحديث بالسلام.
– لأذكر لكم بعض الأحاديث حتى ننهي الموضوع.
«من قرأ {قل هو الله أحد} حتى يختمها عشر مرات؛ بنى الله له قصرا في الجنة» (حسن).
عن أبي أيوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فإنه من قرأ: {قل هو الله أحد الله الصمد} في ليلة فقد قرأ ليلته ثلث القرآن» (صحيح).
وفي سبب نزول هذه السورة: قوله تعالى: {قل هو الله أحد}، الآيات الأربع المباركات نزلت جوابا لمن قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين انسب لنا ربك أو صفه لنا، فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : قل: أي لمن سألوك ذلك هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، أي ربي هو الله أي الإله الذي لا تنبغي الألوهية إلا له، ولا تصلح العبادة إلا له، أحد في ذاته وصفاته وأفعاله، فليس له نظير ولا مثيل في ذلك؛ إذ هو خالق الكل ومالك الجميع فلن تكون المحدثات المخلوقات كخالقها ومحدثها الله أي المعبود الذي لا معبود بحق إلا هو، الصمد أي السيد المقصود في قضاء الحوائج الذي استغنى عن كل خلقه وافتقر الكل إليه، لم يلد أي لم يكن له ولد لانتفاء من يجانسه؛ إذ الولد يجانس والده والمجانسة منفية عنه تعالى؛ إذ ليس كمثله شيء، ولم يولد لانتفاء الحدوث عنه تعالى.
كانت الوالدة تقرأ {قل هو الله أحد} للمرة الثالثة وأنا أتمم كلامي، علق شقيقي:
– لقد نلت أجر ختمة كاملة في أقل من عشر دقائق!