تأملات في آية التغيير :
والجدير بالذكر أن آية التغيير السابقة والتي جاءت في سورة الرعد قد سبقتها آیات وتلتها آيات تتحدث عن مظاهر القدرة الإلهية المطلقة والتي نرى الكثير منها بأعيننا، كقوله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
[الرعد: ٢]
وقوله:
﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ﴾
[الرعد: ٣]
وقوله
( اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بمقدار )
[الرعد: ۱۸]
، ويمضي السياق في السورة ليعدد مظاهر القدرة الإلهية:
(سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفِ بِاللَّيْلِ وَسَارِب بِالنَّهَارِ )
الرعد: ١٠
وفي خضم هذه الآيات تأتي آية التغيير
(لَهُ مُعَقبات من بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
[الرعد: ١١].
ويستمر السياق بعدها ليؤكد على نفس المعنى الذي بدأت به السورة:
﴿وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا هُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثَّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ )
[الرعد: ۱۱-۱۳]
فيها مناسبة وجود آية التغيير بين هذه الآيات؟ وما الرابط بينها؟ ... هناك بلا شك دلالات كثيرة من وجود هذه الآية وسط الآيات التي تتحدث عن القدرة الإلهية المطلقة، ولعل من هذه الدلالات أنها تحمل لنا جميعا رسالة تقول: إن الله عز وجل - ذو قدرة مطلقة، وعلم لا حدود له، وقوة لا يمكن تخيلها، ومشيئة نافذه والدليل على ذلك ما نراه بأعيننا من سماء مترامية الأطراف مرفوعة بلا عمد، ومن الأرض الممدودة، ومن البرق والصواعق المخيفة. هذا الإله العظيم الذي ترون آثار قدرته بأعينكم يستطيع - بلا شك - أن يغير ما بكم من ذل وهوان وسوء حال في لمح البصر ... ومع سهولة ذلك ويسره عليه فإنه لن يفعله إلا إذا بدأتم أنتم بتغيير ما بأنفسكم وأصبحتم على الحال الذي يرضيه.
فليفعل بنا إذا ما يُفعل، وليزدد بنا الذل والهوان ولتشتد الصرخات والآهات، ولتكثر الجراح في جسد الأمة، وليضعنا أعداؤنا تحت أقدامهم، فلن يغير الله ذلك كله، ولن ينزل نصره علينا، ويعيد لنا مجدنا الضائع إلا إذا بدأنا نحن بتغيير ما بأنفسنا.