لو علم الناس
وقد ثبت عن النبي أنه قام بآية يرددها حتى الصباح، وهو قوله:
﴿إن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ هُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
[المائدة ]
فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب، ولهذا قال ابن مسعود: لا تهدوا القرآن هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة ) ..
يقول ابن القيم: فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لانشغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مربآية هو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة.. فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن، وهذه كانت عادة السلف؛ يُردد أحدهم الآية حتى الصباح.
إذن فهذه الوسيلة - ترديد الآية أو الآيات التي تؤثر في القلب - لمن أهم وسائل التغيير القرآني، فبالإضافة إلى فائدتها العظمى في زيادة الإيمان وطرد الهوى من القلب، فإن لها كذلك فائدة أخرى تتحقق من خلال تكرارها؛ حيث إن هذا التكرار يؤدي إلى ترسيخ معناها في العقل الباطن مما يساعد في بناء اليقين الصحيح . فإذا ما واظبنا على ذلك فستزداد بمرور الوقت عدد الآيات التي تؤثر في القلب مع كل تلاوة أو سماع للقرآن، فيزداد بذلك الإيمان أكثر وأكثر، ويتنور القلب حتى تدب الحياة في جميع جنباته؛ ليصبح قلبا حيا سليما خاشعا لربه خاضعا له.
من هنا كان من المناسب أن نخصص قدرا من قراءتنا في صلاة الليل، فنعيش مع الآيات في القيام، ونعبر عن معانيها في السجود:
﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾
[المزمل : 7]
.ومما يساعد على زيادة الخشوع في القلب واستسلامه الله : حسن التعبير عن المعاني التي تتولد داخلنا عند تأثرنا بالآيات، وذلك من خلال البكاء والدعاء ومناجاة الله عز وجل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبَّنَا لَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾
[الإسراء : ١٠٧-١٠٩].