الصدق يامن تريدون النجاح
الصدق دليل النجاح ولباسه، ولبُّه وروحه؛ كما أن الكذب بريد الفشل ونَبْتُه وروحه، والسعادة دائرة مع الصدق والتصديق، والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب.
وقد أجمعت الأمم على أهمية هذا الخلق، لأنه أساس نجاح الإنسان مع نفسه، إذا كان صادقا مع نفسه، وأساس نجاحه مع من حوله إذا كان صادقا معهم، حتى ولو كانوا كاذبين، إلا أن الصدق ينجيه من كذبهم.
وحين شُرعت الأديان أكدت عليه وأشادت به، فهو خُلق من أخلاق الإسلام الرفيعة، التي حث عليه ورغّب فيها، إذ هو أصل المحامد ورأس المكارم بل وغذاء الإسلام وحياة الإيمان.
لكل هذا وغيره حثت عليه الأديان، وآكدهم دين الإسلام، فجعله الباعث على الطمأنينة، المؤدي للراحة والسكينة، المؤدي لراحة الضمير وطمأنينة النفس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصدق طمأنينة، والكذب ريبة» إنه خُلق عظيم، قل أن يتصف به إنسان إلا وقد حسُنتْ أخلاقُه؛ فهو من الصفات التي تقوم عليها كثيرٌ من الأخلاق العظيمة التي منه تنشأ جميع الأخلاق، والطريق الأقوم للوصول إلى أعلى الصفات، مَن لم يسِرْ عليه، فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميَّز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكانُ الجنان من أهل النيران، وهو سيف اللهِ في أرضه، الذي ما وُضِع على شيء إلا قطعه، ولا واجَه باطلاً إلا أرداه وصرَعه، مَن صال به لم تردَّ صولتُه، ومن نطق به علَت على الخصوم كلمتُه؛ فهو روح الأعمال، ومحكُّ الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخَل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدِّين، وعمود فسطاط اليقين، ودرجة تاليةٌ لدرجة النبوة التي هي أرفعُ درجات العالمين.
فمن تعوّده يُرزَق صدق الفراسة، فإن من صدقت لهجته، ظهرت حجته، وهذا من سنة الجزاء من جنس العمل؛ فإن الله يثبِّت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، فيُلهِم الصادق حجَّته، ويسدد منطقه، حتى إنه لا يكاد ينطق بشيء يظنه إلا جاء على ما ظنه.
لذا فإنَّ المؤمن لا يسعه إلا أن يكون صادقًا فقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: «لاَ».
فصدقُ اللسان أوَّل السعادة، والصادق مصان جليل، والكاذب مهان ذليل، ولا سيف كالحق، ولا عون كالصدق.
فالصدق يدعو إليه العقل لحُسنه، وقُبح ضدِّه، والدين أمر به ورغب فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ، إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ، لاَ يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ، فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ»؛ الحديث، فكان سبب نجاتهم صدقهم مع الله، والمروءة داعية إلى الصدق باعثة عليه، وكانت العرب تأنف أن يؤثر عنها الكذب، وتحب الاشتهار بالصدق، وعُدَّ الكذب من علامات المنافق.