مشاهد من ليل أحمد بن حنبل رضي الله عنه

وهذا العبد المحب لله تعالى، "الإمام المبجل والهمام المفضل، أبو عبدالله، أحمد بن حنبل رضي الله عنه، لزم الاقتداء، وظفر بالاهتداء، علم الزهاد، وقلم النقاد، امتحن فكان في المحنة صبورًا، واجتبي فكان للنعمة شكورًا، كان للعلم والحلم واعيًا، وللهم والفكر راعيًا" (1)، قوامًا ليله، عاملاً نهاره، حفظ الله تعالى به  الدين من الضياع؛ فعن عبد الله بن أحمد قال: "كان أبي يقرأ في كل يوم سبعًا يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليالٍ، سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو" (2).

وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: "كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط؛ أضعفته، فكان يصلي في كل يوم و ليلة مائة وخمسين ركعة، وكان قرب الثمانين" (3).

وعن إبراهيم بن شماس، قال: "كنت أرى أحمد بن حنبل يحيي الليل وهو غلام" (4).

وعن أبي بكر المروزي، قال:" كنت مع أبي عبدالله نحوًا من أربعة أشهر بالعسكر، ولا يدع قيام الليل وقرآن النهار، فما علمت بختمة ختمها، وكان يسر ذلك" (5).

وعن عبد الصمد بن أبي مطر، قال: "بت عند أحمد بن حنبل، فوضع لي ماء، فلما أصبح وجدني لم أستعمله، فقال: صاحب حديث لا يكون له ورد الليل؟! قال قلت: أنا مسافر، قال وإن كنت مسافرًا حج مسروق، فما نام إلا ساجدًا" (6).

وعن إبراهيم بن هانئ، وكان الإمام أحمد يختبيء عنده من السلطان أيام المحنة، قال: "كان الإمام أحمد يصلي بعد العشاء الآخرة ركعات، ثم ينام نومة خفيفة، ثم يقوم، فيتطهر، ولا يزال يصلي حتى يطلع الفجر، ثم يوتر بركعة، وكان هذا دابة طول مقامه عندي، ما رأيته فتر ليلة واحدة، وكنت لا أقوي معه على العبادة" (7).

انظر هذا العبد المحب لله تعالى، لا يدع قيام الليل في أمن ولا خوف، شديد التعلق بالله تعالى، شديد الثقة به، لا يخشى في الله تعالى لومة لائم، فما زال كذلك حتى رفعه الله تعالى، وأعلى قدره.

1. حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم: 161/9.

2. حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم: 181/9.

3. حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم: 181/9.

4. رهبان الليل، لسيد العفاني، وقد عزاه لمناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي: 446/1.

5. رهبان الليل، لسيد العفاني، وقد عزاه لمناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي: 447/1.

6. رهبان الليل، لسيد العفاني، وقد عزاه لمناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي: 447/1.

7. رهبان الليل، لسيد العفاني، وقد عزاه لمناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي: 448/1.