الذنوب سبب في ظهور الفساد
إن لله تعالى سننًا في هذا الكون لا تتبدل ولا تتغير، بل هي سنن ثابتة
كما قال ربنا
فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا
[فاطر:43]
ولابد من فقه هذه السنن، وربطها بما حدث، وما يحدث في هذا الكون، ولابد من إدراك العلاقات بين الأعمال وآثارها، والربط بين الأسباب ومسبباتها.
ولقد بين الله تبارك وتعالى لنا كثيرًا من هذه السنن في كتابه الكريم، ومن تلك السنن سنة عظيمة نبهنا الله إليها في محكم التنزيل، وبينها رسوله في أحاديث كثيرة، وهي:
أن كل شر وبلاء وهلاك ودمار، ونقص في الأموال والأنفس والثمرات، وسوء حال؛ فسببه الذنوب والمعاصي ومخالفة أوامر الرب تبارك وتعالى.
وقد أشار ربنا تبارك وتعالى إلى ذلك قفي آيات عديدة منها
قوله تعالى
{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}
[الشورى30]
إنها الذنوب والمعاصي التي ما ظهرت في ديار إلا أهلكتها، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، بالمعصية تبدل إبليس بالإيمان كفرًا، وبالقرب بعدًا، وبالرحمة لعنة، وبالجنة نارًا تلظى.
فما يصيب العباد من فساد وبلاء فهو بذنوبهم
قال الله سبحانه وتعالى
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر}ِ، الفساد في البر: بما يصيبوا الأرض من منع البركات، وغور المياه، وانحباس الأمطار، ويبس الأشجار وغير ذلك، وإصابة الثمار وكساد الأموال والتجارات وغير ذلك من أنواع العقوبات التي كلها نشاهدها، ولكن لا نعتبر ولا نبحث عن أسباب هذه العقوبات، بل منا وفينا وبين أظهرنا من يكتب ويقول: ((ليست هذه المصائب وهذه الآفات بسبب الذنوب، إنما هذه كوارث طبيعية تجري بدون سبب من الناس وهذا كأنه يكذّب الله في قوله، ويعترض على سننه، كما ورد في الآيات السابقة.
إنها قسوة للقلوب، (والعياذ بالله) قال الله {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
هذه غفلة عن سنن الله الكونية وإعراض عن تدبر القرآن والاعتبار الذي أمر الله جلَّ وعلا به فيما يجري من الحوادث، ومع هذا يسرحون ويمرحون ولا ينكر أحد عليهم، ولا يُمنعون من أقوالهم الباطلة ونشرها وكتابتها، وقد ذكر الله لنا قصص من قبلنا لنعتبر بهم ونتعظ، وقد قال قوم من قبلنا مثل هذا، وأخبرنا الله عنهم فذكر الله لنا أنهم قالوا: {قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} أي: أن هذا يجري على ءابآءنا من قبلنا فليس فيه عبرة ولا عظة وإنما هو عادة.
ومنهم -كما قال الله سبحانه وتعالى- من إذا أصابتهم المصائب قالوا هذه بسبب الرسل وأتباعهم {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}
والسيئة هنا ما يصيبهم في الأرض من القحط والجدب وغلاء الأسعار وغير ذلك، فيقولون هذا بسبب موسى عليه والسلام ومن معه من المؤمنين.
وهكذا يقولون اليوم سوء بسوء، فينسبون كل تخلف لأهل الدين، وان التدين سبب الرجعية والتخلف، وان انتشار الشباب المتدين منعونا من التقدم ومن الرقي ومن الحضارة ومن... ومن... ومن....إلى غير ذلك، من أقولهم الباطلة التي لا ينكر احد عليهم ما يقولون، ولذا فإننا نخشى أن يصيبنا ما أصاب من قبلنا، لأن هذا إذا ظهر في الأمة ولم ينكر عمهم الله بعقوبة عاجلة وعم الجميع الصالح والطالح، قال الله {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} تصيبنا هذه المصائب ونكثر من المهرجانات والملهيات وغير ذلك، مما يغفل الناس ويقسّي القلوب ويعرض بالناس عن الالتفات إلى معالجة هذه الأمور بل يزيدون منها ويُزيدون، فلا حول ولا قوة إلا بالله، لم يبقى إلا العقوبة المستأصلة لكن الله سبحانه وتعالى رءوف بالعباد يؤجلهم لعلهم يتوبون.
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ} ففساد البر كما تعلمون وكما ترون الآن من انحباس الأمطار، وشح المياه، والجدب في الأرض كل هذا بسبب ذنوبكم.
فيقولون هذا عقوبة من الله سبحانه وتعالى وإنما هو شيء عادي وطبيعي وكوارث طبيعية.
وقد لا نستغرب من هؤلاء لأن الغالب أنهم إما جهال وإما أنهم ليس عندهم إيمان، ولكن نستغرب السكوت عن هؤلاء، فلا يمنعون ولا ينكر عليهم وما كأنهم فعلوا شيئا.
{بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} هذا هو السبب بسبب ما كسبت أيدي الناس من الكفر والشرك والمعاصي والسيئات والمخالفات، ليذيقهم الله جلَّ وعلا بعض الذي عملوا ليذيقهم شيئا من عقوبات أفعالهم لعلهم يرجعون، لعلهم يتوبون، لعلهم يتذكرون، لعل ولاة الأمور يأخذون على أيدي سفهاءهم، ولعل أفرادهم يتوبون إلى الله، ولعل الآباء والأمهات يصلحون بيوتهم ويأخذون على أيدي من فيها من النساء والذرية، لعلهم يرجعون عما هم عليه {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}، ولو أذاقهم كل ما عملوا لما أبقى على ظهر الأرض أحدا، كما قال الله جل وعلا قال تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابّة} وكما قال أيضا {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} إما عاجلاً أو آجلاً {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً}.
لقد ذكر الله لنا أقواما عوقبوا بسبب المعاصي، فقوم نوح عمهم الله الغرق، وعاد أهلكوا بريح صرصر عاتية عقيم، وأخرجت ثمود الصيحةُ، وجعل الله ديار قوم لوط عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل،
{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}
[العنكبوت40]
إنها سنة الله: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} إنها الحقيقة الصارخة، {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} تلكم الذنوب
وتلكم عواقبها
{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}
[هود:83]
لابد أن نتذكر
- لو تأملنا من الحكمة وراء ظهور الفساد في أرض الله لبادرنا بالتوبة و الإصلاح، فالفساد ((سواء كان فساد فرد أو مجتمع و سواء كان الفساد دينياً أو أخلاقياً أو اجتماعيا)) فهو بسبب البشر أنفسهم و ما كسبت أيديهم، وظهور الفساد و فشوه في المجتمع تنبيه من الله لعباده حتى يبادروا بالإصلاح و العودة الفورية، فما من فطرة سليمة تقبل الفساد أو تستسيغه، لذا تجد أن رحمة الله تتجلى بوضوح في قوله تعالى {لعلهم يرجعون}
- أن للمعاصي شؤمها، ولها عواقبها في النفس والأهل، في البر والبحر، فإنها تضل بها الأهواء، وتفسد بها الأجواء، وبالمعاصي يهون العبد على ربه، فيرفع مهابته من قلوب خلقه
{وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ}
[الحج:18]
- إن المعاصي تحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه، وفي الهواء، وفي الثمار، وفي المساكن، وفي الأبدان، وفي الأموال فتجد الحروب الطاحنة، والمعارك المدمرة، والفوضى العارمة، وغلاء الأسعار، ونقص الأموال والثمرات، كل هذا بسبب الذنوب والمعاصي.
فلنتأمل و لنتفكر قبل أن نسأل عن أسباب الفساد أو نضعف أنفسنا فنذهب باللوم إلى خالقنا بينما نحن أصحاب الجريمة.