مشهد لأم أيتام تقوم الليل ، وترعي أيتامها
وهذه أم أيتام عابدة محبه لله تعالى ، عارفة بربها عز وجل ، تقوم الليل ، وترعي أيتامها ؛ فعن حماد بن سلمة ، قال : " خرجت في ليلة ظلماء ذات برد وريح ومطر ، ومعي شوى (1) ، قلت : أقسمه في جيراني ، قال : فإذا أنا بامرأة قد خرجت وهي تقول : يارفيق ؛ ارفق بنا . قال : قلت : ما لك رحمك الله ؟ قالت : ياحماد ، إنه دخل هذا المطر على يتامى تحت فرشهم ، فقلت : يارفيق ؛ ارفق بنا ، فدخلت ، فوجدته أيبس مما كان ، فقلت : هاك رحمك الله هذا الشئ ، فأنفقيه على نفسك ، وعلى أيتامك ؛ فقالت : إليك عني ياحماد ؛ فإني إنما أسأل أجود الأجودين . ورويت من وجه آخر ، فعن حماد بن سلمة ، قال : " ألح المطر علينا سنة من السنين ، وفي جواري امرأة من المتعبدات ، لها بنات أيتام ، فوكف السقف عليهم ، فسمعتها تقول : يارفيق ؛ ارفق بنا ؛ فسكن المطر ؛ فأخذت صرة فيها عشرة دنانير ، و قرعت بابها ، فقالت : اجعله حماد بن سلمة ، فقلت : أنا حماد ، سمعتك ، وقد تأذيت بالمطر ، فقلت : يارفيق ؛ ارفق بنا ، فما بلغ من رفقه بك ؟ فقالت : سكن المطر ، وأدفأ الصبيان ، وجفف البيت . قال : فأخرجت الدنانير ، وقلت : انتفعي بهذه . فإذا صيبة عليها مدرعة (2) من صوف ، تستبين خروقها (3) ، قد خرجت على ، وقالت : ألا تسكت ياحماد ؛ تعترض بيننا وبين ربنا ومولانا ؟ ثم قالت : ياأما قد علمنا أنا لما شكونا مولانا أنه سيبعث الينا بالدنيا ؛ ليطردنا من بابه ، وألصقت خدها بالتراب ، ثم قالت : أما أنا ، وعزتك لا زايلت بابك ؛ وإن طردتني . ثم قالت : يا حماد ،- رد عافاك الله - دنانيرك إلى الموضع الذى أخرجتها منه ؛ فإنا رافعنا حوائجنا إلى من يقبل الودائع ، ولا يبخس المعاملين " (4).
المراجع
- شوى : طعام مشوى ، انظر : معجم العين ؛ للخليل 297/6.
- مدرعة : تطلق على رداء واسع يسمي بالإزار أيضاً ، انظر : المعاجم العربيه ؛ لدوزي : 330/4.
- معني تستبين خروقها ، أى : خروقها كبيرة ، تستبين ما وراءها من ثياب .
- صفة الصفوة،لابن الجوزي: 256/2 .