فتنة المال
من نعم الله العظيمة على عباده نعمة المال،
قال تعالى
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[الكهف: 46]
وقد نظّم الإسلام العلاقات المالية، وسَنّ القوانين والتشريعات، وحدّد الحقوق والواجبات، ووجه الأنظار إلى حقيقة المال والمتاع، وكيف يُستخدم وما هي أغراضه؟
قال تعالى
﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾
[التغابن:15]
وقال تعالى
﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾
[الفجر:20]
وقال -صلى الله عليه وسلم
«إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ»
وقال تعالى
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾
[آل عمران: 14]
فالمال نعمة من الله قد يبتلي به من شاء من خلقه ليرى من يشكر ومن يكفر، فهو من الفتن العظيمة التي يُبتلى بها المؤمن، والقليل من الناس من يصبر عليها، عن عياض بن حمار رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وإن فتنة أمتي الْمالُ».
فالأموال في أيدي الناس فتنة، جعلها الله تعالى فتنة للعباد، فتنة في كل حوالها وبكل ألوانها، سواء في تحصيلها أوفي تمويلها أو في إنفاقها.
وقد جُبلت النفوس على حب المال،
قال تعالى
﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾
[الفجر20]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب».
فأما الفتنة في تحصيله:
فإن الله تعالى شرع لتحصيله طرقاً معينة مبنية على العدل بين الناس واستقامة معاملتهم، بحيث يكسبها الإنسان من وجه طيب ليس فيه ظلم ولا عدوان، فانقسم الناس في ذلك قسمين:
- قسم اتقى الله تعالى وأجمل في الطلب، واكتسبها من طريق الحلال فكانت بركة عليه إذا أنفق ومقبولة منه إذا تصدق وأجراً له إذا خلفها لورثته فهو غانم منها دنيا وأخرى.
- قسم لم يتق الله ولم يجمل في الطلب فصار يكتسب المال من أي طريق أتيح له من حلال أو حرام من عدل أو ظلم لا يبالي بما اكتسب فالحلال عنده ما حل بيده، فهذا المال الذي اكتسبه من طريق محرم إن أنفقه لم يبارك له فيه وإن تصدق به لم يقبل منه وإن خلفه بعده كان زادا له إلى النار، لغيره غنمه وعليه إثمه وغرمه.
[[[فهذه فتنة المال في تحصيله]]].
وأما فتنة المال في تمويله
- فمن الناس من كان المال أكبر همه وشغل قلبه ولا نصب عينه إلا المال، إن قام فهو يفكر فيه وإن قعد فهو يفكر فيه وإن نام كانت أحلامه فيه، فالمال ملء قلبه وبصر عينه وسمع أذنه وشغل فكره يقظة ومناماً، حتى عباداته لم تسلم فهو يفكر في ماله في صلاته وفي قراءته وفي ذكره كأنما خلق المال وحده، فهو النهم الذي لا يشبع والمفتون الذي لا يقلع، ومع ذلك الهم والفتنة فلن يأتيه من الرزق إلا ما كتب له، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها.
- ومن الناس من عرف للمال حقه ونزله منزلته فلم يكن أكبر همه ولا مبلغ علمه، وإنما جعله في يده لا في قلبه فلم يشغله عن ذكر الله ولا عن الصلاة ولا عن القيام بشرائع الدين ولا فروضه، بل جعله وسيلة يتوسل بها إلى فعل الخيرات ونفع القرابات وذوي الحاجات، فهذا هو صاحب العيش الرغد المحصل لما كتب له في الرزق من غير تعب في قلبه ولا نكد.
- [[[فهذه فتنة المال في تمويله]]]
فتنة المال في إنفاقه
وأما الفتنة في إنفاق المال فإن الناس انقسموا إلى ثلاثة أقسام:
- البخيل الذي منع حق الله وحق عباده في ماله، فلم يؤد الزكاة ولم ينفق على من يجب الإنفاق عليه من الأهل والمماليك والقرابات.
- المسرف المفرط الذي يبذر ماله وينفقه في غير وجهه وفيما لا يحمد عليه شرعاً ولا عرفاً، فهذا من إخوان الشياطين.
- الذي إذا أنفق لم يسرف ولم يقتر ويبخل، فبذل الواجبات، وأكمل المستحبات، وبذل ما يُحمَدُ عليه في العادات، فهؤلاء هم عباد الرحمنومن أعظم صور فتنة المال أن يكون سبباً في معصية الله وارتكاب الكبائر والمحرمات.. فقد يقتل الإنسان، ويسفك الدماء بسبب المال، وقد يؤذي إنساناً آخر، وقد يقطع الأرحام ويعق والديه بسبب المال، والأعظم من ذلك أن يبيع دينه ويوالي أعداء الأمة، ويتنازل عن قيمه ومبادئه، ويحرم نفسه الهداية والتوفيق والثبات والسير في ركب الصالحين بسبب المال..
﴿وَالّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾
[الفرقان 67]
وتأمل في حال الناس اليوم ماذا فعل المال من فتن ومصائب وكوارث في حياتنا؟ .. لقد ظهرت الصراعات وقامت الحروب بين الأفراد والدول وسُفكت الدماء ودُمرت المدن والقرى، وتشرد الإنسان، وظهرت بسبب فتنة المال وسائل الغش والتزوير والتحايل، وارتُكبت جميع المحرمات؛ كل ذلك سعياً وراء المال.. بل عُطلت فرائض الدين، وطُمست القيم، وسمعنا بالأيمان الفاجرة، وشهادة الزور، وخيانة الأمانات، والرشوة، وفسدت كثير من الأخلاق، وانتشرت الكثير الانحرافات والمنكرات، وضاعت الأخوة، واشتعلت نيران العداوة والشقاق والاختلاف والفُرقة والتقاطع والحسد..
قال -صلى الله عليه وسلم: «فَوَ اللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ على من كان قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ».
والذي يتأمل في أحوال الناس في هذه الأيام، وانكبابهم على كسب هذا المال بأي وسيلة كانت سواء كان في مساهمات مشبوهة، أو معاملات فيها مخالفات شرعية كالربا، والغش، وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها، ليتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال: أمن حلال أم من حرام»؟
وهذا المال إن لم يستخدمه صاحبه في طاعة الله وينفقه في سبيله، كان وبالاً وحسرة عليه،
قال تعالى
﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾
[التوبة: 55]
لقد لعب الشيطان بأفكار بعض الناس فجرأهم على المعاملة المحرمة السيئة فارتكبوا محارم الله وهم يعلمون، وتجرؤوا على الإثم كأنهم لا يعقلون، ومُنَاهم الكسب وكثرة المال، فبئس ما يصنعون، لقد تجرأ كثير من الناس على الغش في معاملتهم وجعلوا الكسب من الغش والخداع مغنماً، ووالله إنه المغرم لأنه كسب حرام لا بركة فيه ولا مصلحة بل فيه مفاسد، فهو خراب للذمم، وضياع للأمانات، وخراب للعلاقات، ودمار لكل معنى جميل في حياة الناس.
إن المتعامل بالغش مع الناس وظن انه يكسب فشطارته، فهو خاطئ، بل هو خاسر فقد أدخل على بيته وأهله ما يدمّر أساس كل بيت، ويفسد علاقة كل أسرة، ويكفيه أنه أنبت جسد أهله من حرام، فالنار أولى بهذه الأجساد التي تربت على الحرام وألفته، وخاصة إذا كانت على دراية بما يفعله ولي أمرهم، ويقرونه على فعل الحرام واكله، ليعيشوا في مستوى اجتماعي أعلى، وليركبوا سيارات أغلى.
علاج تلك الفتنة
لا شك أن هذه الفتنة التي حذّر منها الإسلام، سواء في آيات القرآن، او في الأحاديث النبوية، قد أوجد الإسلام لها الحل الجذري أيضا، فدين الإسلام ليس الدين الذي يصف الداء ولا يذكر الدواء، بل يحيك الإنسان بكل جوانب الموضوع ليسير على بصيرة ونور.
وقد أتى الإسلام بالدواء الواقي، والعلاج الناجع، من هذه الفتنة، ومن ذلك: -
- الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ومعرفة ماله من صفات الكمال، ونعوت الجلال، فيه نجاة من هذه الفتنة، فيعلم غنى الله المطلق، وفقر العباد المطلق، فيقر بما أعطاه الله إياه،
قال تعالى
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾
[فاطر: 15]
آيات تؤكد غنى الخالق وفقر المخلوق، أيًا كان ذلك المخلوق فهو الفقير مهما بلغت أملاكه، ومهما وصلت أرصدته، إذا أدرك ذلك فإنه يحتقر نفسه ويعظم ربه، وينجو من الفتنة.﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾
[محمد:38]
- الإقرار بحقيقة مهمة وهي ((أن ما حصل عليه من مال، وما امتلكه من عقار،ولقد ذم الله سبحانه وتعالى قارون الذي نسب المال إلى علم
إنما ذلك كله من الله سبحانه وتعال
﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾
[النحل:53]
فنسبه إلى نفسه، فرد الله سبحانه وتعالى عليه قائلاً:فقال تعالى حاكيا على لسانه
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾
[القصص: 78]
﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾
[القصص: 78]
- دعاء الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه وقاية من هذه الفتنة، ومن الأدعية في هذا الشأن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب))
- العلم بحال سيد البشر وخير الأنبياء، فهو من هو عند الله مقاما، وبين الناس جاها، إلا أنه لم يكن أبدا حريصا على مبدأ أن يكون معه من المال الكثير، فلم يرفض المال، إنما علّم الأمة ألا يكون حرصهم عليه أن يزيد فقط، سواء بالحرام أو بالحلال، لا يهمه، فالنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى أبعد من مجرد جمع مال وكنزه، بل لابد من معرفة الهدف وكيف ينفقه فيما يفيد؟
- القناعة، والرضا بعيشة الكفاف: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ».
- معرفة حقيقة هذا المال، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فرأى شاة ميتة شائلة برجلها فقال: «أترون هذه الشاة هينة على صاحبها قالوا نعم قال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء»
- الصبر على ضيق العيش، والاقتصاد في الإنفاق، فالصبر له منزلة عظيمة في الدين، فمن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما ورد عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: «ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبّره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر». الإيمان بزوال الدنيا وما فيها، فإيمان العبد أن هذه الدنيا وهذا المال زائل لا محالة يؤدي إلى عدم التعلق الشديد بالمال وجمعه، فإذا آمن الإنسان بذلك الحساب فإن وراء الحساب جزاء، إما نعيم أو جحيم، أما النعيم ففيه صنوف من التلذذ بأنواع من المال خير من تلذذ صاحبه في الدنيا، فإذا كان على سبيل المثال صاحب المال يرغب في الدنيا بالقصور الفاخرة، فإن في الجنة قصورًا لا تدانيها قصور الدنيا،
قال تعالى
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾
[القصص: 60]
- الإيمان بالقضاء والقدر الذي يتمثل بعدد من المسائل:
تلك النظرة العميقة تجلب للعبد السعادة الأبدية التي لا يشوبها مرض، ولا هرم، ولا موت، فلو أن أصحاب الأموال نظروا بهذا المنظار لسلموا من الفتنة، ولهان عندهم المال.
عن عروة عن عائشة أنها قالت: إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نار فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أبياتهم فيسقيناه.
ولما كانت هذه بعض حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شأن العيش، فلم يكن عليه الصلاة والسلام يدعو بكثرة المال، بل كان يدعو بأن يكون رزقه كفافا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ارزق آل محمد قوتا))
وعَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ» وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ»، وقد ذم الله ورسوله عبد المال الذي إذا أعطي رضي، وإن لم يعط سخط،
قال تعالى
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾
[التوبة: 58]
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ»
- أن يدرك صاحب الغنى أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، فلا يغتر بماله، فكما أن الله سبحانه أغناه، فهو سبحانه قادر على إفقاره، وإغناء غيره من الناس
قال تعالى
﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾
[الرعد: 26]
- ب) أن كثرة المال وسعة الرزق ليست دليلاً على الرضا بل ابتلاء من الله لصاحب المال، وفي قارون ومصيره عبرة وعظة.
- أن الحال الاقتصادية للإنسان لا تدوم، فربما يكون الإنسان غنيًا وقد كتب عليه في القدر أن يكون فقيرًا، وكذلك العكس ربما كان الإنسان فقيرًا وكتب عليه في القدر أن يكون غنيًا، والواقع يدل على ذلك فكم هم أرباب الملايين قد أثقلوا بالديون وأودعوا السجون.
- أن يعلم الإنسان أن الله سبحانه وتعالى هو الذي، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب))
وقد أخبر عز وجل أن المال عرض زائل ومتاع مفارَق،
قال تعالى
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾
[الحديد: 20]
روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله».
وبعض الناس يغلط، ويظن أن من رُزِق مالاً كثيراً، فإنه قد وفق، وهو دليل على محبة الله له! والأمر ليس كذلك، فإن الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب، وقد ذكر الله هذا عن الإنسان، وأخبر أن الأمـر ليس كما ظن،
قال تعالى
﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ* نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ﴾
[المؤمنون 55-56]
وقال تعالى
﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا﴾
[الفجر15: 17]
علينا جميعا أن نحمد الله جل جلاله على نعمة الاسلام والإيمان، و نشكره على ما رزقنا، ونرضى بما قسمه لنا، ونحرص دائما على الكسب الحلال وبذل المال فيما ينفع في الدنيا والآخرة، ونبتعد عن الكسب الحرام، أو تضييع المال فيما يضر، ونجتنب الشبهات مهما كانت، فكل ما نفعله سيكتب في صحيفة أعمالنا، وسنسأل عنه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ولنعلم أن المال يُقبل ويُدبر فكم من غني صار فقيرا، وكم من فقير صار غنيا، والله جل وعلا هو المعطي و المانع.