الفرق بين العلاج القرآني والعلاج الغربي لمشاكل المجتمعات
يقول الله تعالى
{كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد}
[إبراهيم 1]
قال تعالى
{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}
[ص 29]
قال تعالى
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}
[الإسراء 9]
إن القرآن الكريم يمثل للبشرية منهج حياة كاملاً إن أخذنا بكل جوانبه في حياتنا سلمنا من الشرور وصلحت حياتنا وسلمنا نفسياً وبدنياً، وعلى سبيل المثال فإن المخالفة لتحريم الزنى في القرآن الكريم تؤدي بالمخالف إلى أمراض شديدة الفتك بالإنسان (الإيدز الزهري السيلان ... إلخ)، ناهيك عن المشكلات الاجتماعية والنفسية على مستوى الفرد والمجتمع ومخالفة أمر القرآن الكريم في مجانبة الزوجة عند المحيض يمثل الخطورة نفسها على صحة الرجل وقد ينتج في بعض الحالات مولود مشوه يصعب علاجه، بيت القصيد هنا أن كتاب الله يمثل الوقاية على المستويين النفسي والبدني ومخالفته تؤدي إلى أمراض متنوعة بدنياً ونفسياً.
وغير هذا من أمثلة عديدة لأمراض عضوية وضع القرآن سبل الوقاية من الوقع فيها، مما لم يتوصل إليه العلم الإنساني إلا بعد حين، او بمفهوم مخالف لما هو علاج له، ومع افتراض أنه قد يضع علاجا ناجحا إلا أنه يفكر في العلاج بعد وقوع المرض وظهوره، أما القران الكريم فإنه يعالجه من قبل أن ينتشر ويحدث، وتلك من أوائل وأهم الفروق بين علاج القرآن وغيره من أنواع العلاج المتعددة التي يستخدمها الناس في هذه الأزمان.
الفرق الثاني: -(( أن العلاج بالقرآن لا يتعارض مع أي علاج ولا مع أي دواء، بعكس العلاج الحسي أو المادي، فإنه يتعارض مع أمراض أخرى، بل وقد يتسبب في وقوع مشاكل أخرى متعارضه مع ما تم اتخاذه من نظام.
فالعلاج القرآني لا يمنع اتخاذ أدوية أخرى حلالا، مهما كان نوعها، بل إن الشريعة الإسلامية حين شرّعت الاسترقاء والاستشفاء والتداوي بتلاوة آيات وسور من القرآن الكريم على الأمراض الجسدية، وجعلتها أسباباً شرعية صحيحة نافعة بإذن الله تعالى، فإنها لم تمنع أو تنهى عن التداوي والاستشفاء بالأدوية الطبيعية المادية، بل إن هذا الفهم ليس ذلك من الرشد في الدين، ولا من الفقه لسنن الله تعالى في الكون، ولكن الشأن هو الجمع بين الأمرين والانتفاع بهما متلازمين معا، والجمع بين بذل الأسباب الحسية والمادية، مع الاعتماد على ما جاء به التوجيه الشرعي، وتعلق القلب بالله تعالى وحده، فهو النافع وهو ربّ الأسباب والأدواء التي لا تشفي وهو الشافي والدافع لجميع الأمراض، وهو النافع والواهب للصحة والعافية، وهو الذي يحول بين هذه الأسباب وبين مقتضياتها، وهو الذي يجعل فيها النفع سبحانه وتعالى.
فالمسلم طبيباً كان أو غير طبيب يجب أن يسلّم بما ثبت شرعاً من الشفاء لا سيما القرآن الذي سماه الله تعالى
﴿ هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾
[فصلت: 44]
و
﴿ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
[الإسراء: 82]
وما صحّ من أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رقاه جبريلُ عليه السلام فقال: «باسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك... » فقوله: «ومن كل داء يشفيك»، دليل على شمول الرقية لجميع أنواع الأمراض النفسية والعضوية.
وفي الأمراض الاجتماعية كذلك لم تمنع من عقوبة المرتكب للمخالفات بل مع تشريع العلاج بتقوى الله ومراعة الحدود جعلت حدا لتعزير من يرى ولي الأمر وجوب تعزيره ليكون عبرة لغيره،
الفرق الثالث: أن العلاج البشري البعيد عن ضوابط الدين ما هو إلا مجرد أوامر ونواهي وتكاليف تشريعية أو أخلاق معيارية والهدف منها هو المحافظة على استقرار المجتمع وتماسكه بهدف المحافظة على بقاء المجتمع ووجوده فقط.
أما العلاج القرآني فقد تجاوز هذه الأفكار الاجتماعية –التي تؤسس في كنهها قواعد ضرورية لعلم اجتماع القرآن –وكذلك تجاوز الأشكال المعيارية المجردة من مراعاة البقاء على المجتمع فقط،، إلى الكشف عن الجوانب المَرَضية التي من شأنها أن تُصدَّع حالة التماسك الاجتماعي، وتهدد بقاؤه، وكذلك يقوم برصد تحليل هذه الجوانب المَرَضية وأبعادها وأماكن استوطانها في الجسد الاجتماعي, وشكل حاملي الأمراض فيها وصفاتهم وأحوالهم.
فنجد أن القرآن -عند علاجه لأي مرض –اعتناءه عناية متوازية بالتوجيه إلى: -
- تجنب الآفات من ناحية.
- ذكر الأمثلة وضرب النماذج التي قد أصيبت بمثله وكيف تم العلاج منها.
- الكشف عن تلك الآفات التي قد تصيب المجتمع، وتؤدي إلى ضعفه وسقمه، وتمنعه من مقاومة الجراثيم الاجتماعية التي تصيب أعضاؤه وشبكاته الثقافية والاجتماعية -وما تتضمنه من قيم ومكونات للحياة وعناصر للتطور الاجتماعي اللازم- وهو ما يمكن أن يؤصل كما ذكرنا لعلم اجتماع القرآن في منطلقاته ووظائفه.
وختاما: -
فإن العلاج لأي أمراض سواء في القرآن أو مما اقترحه البشر (شرط ان يكون مشروعا حلالا) بينهما علاقة وثيقة في مجالات متعددة: -
- أن جميع مشاكل وأمراض الأفراد والمجتمعات تخضع في الإسلام لأحكام الشريعة من حيث الحل والحرمة، ومن حيث الالتزام بالأخلاق والآداب المطلوبة.
- كما أن المشرّع للقوانين البشرية والضوابط المجتمعيه لا يستغني عن الشرع (الكتاب والسنة) حين سن قانون أو وضع ضابط، فكذلك الشرع يهتم برأي أهل الحل والعقد وذوي الخبرة عند حدوث نوازل أو ظهور مستحدثات.
المستجدات المرضية للأفراد والمجتمعات يحتاج حلها من الناحية الشرعية إلى تعاون أهل الخبرة مع أهل التشريع، فأهل الخبرة يكشفون عن حقائقها وتفاصيلها، والشرعيون يصدرون عن فهم ورؤية أحكامها، وبذبك يتحقق التكامل والدقة.
وأخيرا ... وليس آخرا
فلابد أن يحمد كل مسلم ربه، عن جعل القرآن الكريم كتابه المنزّل عليه، لأنه وبحق يعتبر أفضل كتاب يتحدث عن سُبل معالجة المشكلات الاجتماعية والعِلل الأسرية والتربوية، كما أنه يمكن اقتناؤه والاستفادة منه في تقويم السلوك العام وضبط توازنه في البناء الأسري والتربوي والمجتمعي.
إننا لن نجد أفضل من المصدر التشريعي الأول (القرآن الكريم)، مرجعا لنا وقاموسا مشاكلنا، فالنصوص القرآنية تهدي للتي هي أقوم في جميع مجالات ومناحي الحياة، وفيها تبيانٌ لكل شيء تحتاج إليه البشرية عامة في أمور دينهم ودنياهم، وذلك انطلاقاً من قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ).
نعم، فهو يبّين للناس الحلول الناجعة والأساليب المثالية لعلاج كثير من المشكلات المجتمعية الصالحة لكل زمان ومكان ويوضح أسبابها وطرق معالجتها.. فمن يتدبر في المنهج القرآني الكريم ويتفكر في آياته ويتأمل في نصوصه الربانية سيجد حلاً ناجعاً لكل المشكلات المعاصرة في شتى مجالات الحياة (الاجتماعية والأسرية والاقتصادية والتربوية والفكرية والنفسية والبيئية).