إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ


فريق عمل الموقع

الإصلاح في الأرض وظيفة الأنبياء ، ومهمة الرسل الأولى، يقوم بها من بعدهم الصالحون والمؤمنون، يبتغون في ذلك رضوان الله تعالى، الذي أمرهم بالخيرات، ونهاهم عن السيئات . فقد قال عز وجل على لسان نبيه شعيب عليه السلام:


{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}

[هود 88].

ثم إن من فضل الله على عباده أن فتح للخير أبوابا لا تعد ولا تحصى، ونصب لمن أراد الإصلاح والصلاح كل سبيل، ولم يَقصُر سبيل الخير على شخص أو مكان أو زمان .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:


(( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ))

فكل طاعة تقومين بها من صلاة وصيام وزكاة وقراءة للقرآن هي لبنة في صلاح الأرض وعمارتها بالخير، إذ هي سبب لنزول الرحمات وتتابع الخيرات ودفع النقمات، ورب حسنة كانت سببا في نجاة قوم من العذاب والهلاك، بل حتى الاستغفار والذكر باللسان سبب يفتح الله به أبواب البركات .

يقول الله سبحانه:

{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}

[نوح10-12].

ولا شك أن الصلاح هو الغاية المطلوبة من العباد في الاعتقاد والأقوال والأعمال؛ فبغير الصلاح لا يُقبَل أي عمل ولا تحصل أي قربى، ولا توضع البركة في الأموال والأنفس والثمرات.

وإن من الأشياء العظيمة أن يكون الإنسان صالحاً في قوله وعمله، ولكن الأعظم من ذلك أن يكون مُصلحاً في قوله وعمله؛ فالصالح قد اكتفى بنفسه عن الخلق، وأما المصلح فقد حمل هموم الخلق، وتصدى لإصلاحهم، وإن الصلاح يُستجلَب به الخير والبركة والنماء، أما الإصلاح فيدفع الله به عن البشر الشرَّ والهلاكَ.

وقد خطف المفسدون شعار الإصلاح قديما وحديثا، ومنهم فرعون؛ حيث اتهم موسى عليه السلام - وهو من المصلحين للناس في عقائدهم، ومرشدهم إلى ربهم - اتهمه فرعون بإظهار الفساد؛ وكأن فرعون يشير إلى أنه يتبنى الإصلاح منهجاً ويخاف على الناس من الفساد؛ مع أنه من أكبر الطغاة والمفسدين،

فقال: 

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} 

[غافر: 26].

 وكعادة المنافقين في كل زمان ومكان تشابهت قلوبهم فاتحدت مشاربهم، يظنون أنهم على خير، وأنهم حُمَاة الإصلاح وروَّاده؛ فقد ادَّعى المنافقون قديماً أنهم مصلحون، كما ادَّعاه إخوانهم في العصر الحديث.

قال  تعالى:

{وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}

[البقرة ١١].

والضابط الذي يميز بين المصلح حقيقة وبين مدَّعي الإصلاح بالباطل هو رب العالمين؛ فهو وحدَه من يحدد المصلِح والمفسِد.

قال جل وعلا: 

{ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإن تُخَالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْـمُفْسِدَ مِنَ الْـمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 

[البقرة: 220].

ويقول سبحانه:

{ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْـمُحْسِنِينَ} 

[الأعراف: 56].

إن أعظم إصلاح جاء به القرآن العظيم هو شريعةُ الله المحكمة وفرائضه الشرعية العادلة التي جاء بها القرآن في الحدود والمواريث، والأحكام، والتي تسعد المجتمعات وتهنأ إذا طبقتها،

قال الله تبارك وتعالى:

{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} 

[الأعراف: 96]،

وفي المقابل تشقى المجتمعات عند تغييب الشرع المحكم أو إقصائه عن دنيا الناس وهذا يُحدِث خللاً واضطرابًا كبيرًا يمحق البركة ويجلب الشقاء،

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكدًا هذا المعنى: 

«يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم، أعوذ بالله أن تدركوهن.. وذكر منها: وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم» 

نسأل الله أن يهدي الأمة إلى تحكيم كتاب ربها لتعيش واقعًا مباركًا تحل فيه الأمن والبركات.

ثمرات الصلاح والإصلاح

ذكر القرآن الكريم للإصلاح والصلاح ثمراتٍ كثيرةً وفوائدَ غزيرةً، ورفع من درجات أصحابها، وأنزلهم أعلى المنازل، ووصفهم بجميل الصفات، ومن ذلك:

الصالحون مع أهل الدرجات العُلا في الجنة،

قال  تبارك وتعالى:

{ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِـحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً} 

[النساء: 69].

إصلاح العمل أمان من المخاوف والأحزان.

قال سبحانه:

{  فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}

[الأنعام: 48].

الإصلاح سبب من أسباب رحمة الله ومغفـرته،

قال سبحانه: 

{ وَإن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً{ [النساء: 129]، وقال جل وعلا: }إن تَكُونُوا صَالِـحِينَ فَإنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً}

[الإسراء: 25].

لا يضيع الله أجر المصلحين، فأجرهم عند الله محفوظ،

قال تعالى:

{ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ}

[الأعراف: 170].

الصالحون يستحقون ولاية الله.

قال جل وعلا: 

{إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِـحِينَ}

[الأعراف: 196].

الله ينجي أهل البلاد إن كان غالب حال أهلها الصلاح، والعكس بالعكس.

قال جلَّ وعلا

{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}

 [هود: 117].

و عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعاً يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَـرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ».

الصلاح يوجـب وراثـة الأرض والاسـتخلاف فيهـا،

قـال سبحانه: 

{أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِـحُونَ}

[الأنبياء: 105].

وحذر القرآن من ادِّعاء الصلاح والإصلاح دون عمل نافع،

فقال تعالى: 

{وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }

[البقرة:11].

وإنما هو إيمان وإذعان 

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِـحِينَ}

[العنكبوت: 9].

فما أروع هذا الدين! وما أعظم القرآن! حثَّ على الإصلاح، ومدح المصلحين، ورفع في الجنة درجاتهم، قبل أن تخرج علينا دعوات هدامة، فولَّت الأمة وجهها شرقاً وغرباً ونأى بها طلب التقدم والإصلاح، وكان الأمر سراباً لا حقيقة له، وشتان بين من يدعو إلى النار ومن يدعو إلى الجنة، وشتان بين الأعمى والبصير، وفارق بين الظلمات والنور، لا يستويان؛ فما أجدر الأمة أن تعود إلى منهج الإصلاح الأول كتاب ربها، ومصدر عزتها وتفوُّقها بين الأمم! فقد ضمن الله السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة لمن خافه واتقاه واتبع رضوانه وتجنب مساخطه، كما هو موضَّح ومفصَّل في الوحيين (كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم)، واللهَ نسأل أن يصلحنا ويصلح بنا، وألا يجعلنا من المفسدين.

السابق

مقالات مرتبطة بـ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ

  • التَّمْسِيكُ بالكتاب

    الشيخ / فريد الأنصاري

    نرجع إذن إلى القرآن، نحمل رسالته إن شاء الله – كما أمر الله – نخوض بها تحديات العصر، يحدونا اليقين التام بأن لا

    14/03/2018 1528
  • الخلاصة

    مجدي الهلال

    إذا كان المطلوب أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله عز وجل ما بنا، فإن هذا التغيير لا بد أن يشمل:  أولا:

    17/04/2023 955
  • فضل أهل الإيمان (12)

    الشيخ ندا أبو أحمد

    ثانياً : فضل أهل الإيمان : 15- أهل الإيمان يبارك الله لهم في سعيهم ولا يضيع عليهم أجرهم: قال تعالى: ﴿ إِنَّ

    10/09/2022 861
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day