إثبات فوقية الله على عباده


أبو رملة محمد المنصور

إثبات فوقية الله على عباده

قال الله تعالى : ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام : 61]

وقال تعالى في وصف الملائكة : ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل : 50]

فالله عز وجل فوق عباده ذاتا وقدرا . ومن قال غير ذلك قلنا له هات الدليل ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.

قال المجدد الشيخ عثمان ابن فودي رحمه الله :

مسألة : لا يُقدح إطلاق الفوقانية على الله ، فكثيرا ما أومأت إليه الأخبار وظواهر الآيات. ولكن الاعتقاد يقدح إن اعتقدها من غير تنزيه .[1]

وإثبات علو الله على خلقه وفوقيته عليهم هو مقتضى الفطر السليمة التي لم تتلوث بلوثة الابتداع ولم تَشُبْها شائبة علم الكلام وذلك أن الخلق جميعا بطباعهم وقلوبهم السليمة يرفعون أيديهم عند الدعاء ، ويقصدون جهة العلو بقلوبهم عند التضرع إلى الله لا يلتفتون يمنة ولا يسرة . وبهذه الحجة قهر الشيخ أبو جعفر الهمداني الأستاذ أبا المعالي الجويني المتكلم المعروف بإمام الحرمين حتى ضرب على رأسه وقال : حيرني الهمداني ! حيرني !! كما حكى القصة الإمام ابن أبي العز في شرحه لعقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي[2].

وبذلك أيضا احتج الإمام أبو الحسن الأشعري في الإبانة . قال :

ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء ، لأن الله عز وجل مستو على العرش الذي هو فوق السموات ، فلو لا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض.[3]

ونقل المجدد الشيخ عثمان بن فودي رحمه الله عن الشعراني ما يدل على هذا وهو قوله :

فإن قيل : فما الدليل على أن معرفة الحق تعالى واجبة؟ فالجواب أن دليل ذلك كون المعرفة من الأمور التي يسهل الوصول إليها ، فإن الإنسان إذا اضطر وضاقت به المسالك فلا بد أن يستند إلى إله يؤوب إليه ويتضرع نحوه ويلجأ إليه في كشف الضر ويسمو قلبه ويصعد إلى السماء ويشخص ناظره إليها من حيث كونها قبلة الدعاء للخلائق أجمعين . فيستغيث بخالقه وبارئه طبعا وجبلة لا تكلفا . ومثل ذلك قد وجد في الوحوش والبهائم أيضا فإنها ظاهرة الخوف والرجاء رافعة رؤوسها إلى السماء عند فقدان الكلأ والماء وإحساسها بالهلاك والفناء . وكذلك شاهدنا الأطفال عند اللأواء يرفعون مسبحتهم نحو السماء . وهذا كله مركوز في جبلة الحيوانات فضلا عن الإنسان العاقل، فهي الفطرة المذكورة في القرآن والحديث.[4]

 

-----------------------------------

[1] االجامع الحاوي لغالب ما في كتب المجدد عثمان بن فودي، تأليف العلامة الحاج عثمان الماسني، نشره حفيده المرحوم الحاج أمين تفيد، بقلم الكاتب الطاهر بن محمد البخاري، عام 1978م، ص 131.

[2] شرح العقيدة الطحاوية ص 325-326 . وتجدر الإشارة إلى أن الجويني – كالكثير ممن تعمق في علم الكلام – قد ندم على تعاطيه هذا العلم حتى قال ناصحا لتلاميذه : "لا تشتغلوا بالكلام ، فلو أني عرفت أنه يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به" انظر : نقض المنطق ص61. ومما يدل على عودته إلى المذهب الحق قوله بعد أن ذكر كلام الإمام مالك أن الاستواء معلوم واستحسنه ، قال : فلتجر آية الاستواء والمجيء وقوله:(لما خلقت بيدي) [الأعراف : 75] (ويبقى وجه ربك)[الرحمن : 27] وقوله :(تجري بأعيننا) [القمر : 14] وما صح من أخبار الرسول عليه السلام كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا . اهـ من العقيدة النظامية، ص 23..

[3] الإبانة عن أصول الديانة ، ص120 ..

[4] وقال ابن عبد البر المالكي رحمه الله : ومن الحجة أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع : أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى . وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم . ثم استشهد بحديث الجارية السابق الذي رواه مالك في الموطأ ومسلم في صحيحه . انظر: التمهيد 7/134.

.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ إثبات فوقية الله على عباده

  • أقوال السلف في اسم الله (القاهر)

    فريق عمل الموقع

    أولًا: أقوال بعض الصحابة والتابعين في اسم الله (القاهر): 1- قال ابن عباس -رضي الله عنهما- {القاهر}: الغالب على

    23/03/2022 973
  • التعريف باسم الله (القدوس)

    فريق عمل الموقع

    القدوس: من القدس وهو الطهارة [اشتقاق أسماء الله الحسنى للزجاجي 1/ 214]. والقدوس بمعنى المبارك في قوله تعالى

    13/04/2022 866
  • الإيمان بالكتب وآثاره الإيمانية

    مهجة ثابت محمد حكمي

    إن الإيمان بالكتب هو الركن الثالث من أركان الإيمان؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان أن تؤمن بالله

    25/09/2019 1694
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day