عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري
عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري[1]
اتفق المؤرخون على أن الإمام أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كان تلميذا لأبي علي الجبائي رأس المعتزلة - وهو زوج أمه - وعنه أخذ الكلام ، ولكنه بعد أن تبحر في علم الكلام شرح الله صدره لمعرفة الحق فصار إلى مذهب أهل الحديث وناظر شيخه بالحجة من القرآن . قال الشيخ محب الدين الخطيب :
نشأ في أول أمره على الاعتزال وتتلمذ فيه على الجبائي ثم أيقظ الله بصيرته وهو في منتصف عمره وبداية نضجه سنة 304هـ فأعلن رجوعه عن ضلالة الاعتزال ، ومضى في طوره الثاني نشيطا يؤلف ويناظر ويلقي الدروس في الرد على المعتزلة سالكا طريقا وسطا بين طريقة الجدل والتأويل وطريقة السلف . ثم محض طريقته وأخلصها لله بالرجوع الكامل إلى طريقة السلف في إثبات كل ما ثبت بالنص من أمور الغيب التي أوجب الله على عباده إخلاص الإيمان بها ، وكتب بذلك كتبه الأخيرة ومنها في أيدي الناس كتاب الإبانة. وقد نص مترجموه على أنها آخر كتبه (انظر ترجمته في شذرات الذهب) وهذا ما أراد أن يلقى الله عليه . وكل ما خالف ذلك مما ينسب إليه أو صارت تقول به الأشعرية فالأشعري رجع عنه إلى ما في كتاب الإبانة وأمثاله .[2]
وممن ذكر رجوع الإمام أبي الحسن الأشعري إلى معتقد السلف المقريزي في كتاب الخطط .[3] والعلامة أحمد بن محمد الدهلوي في تاريخ أهل الحديث .[4]
ومما يدل على مذهبه الأخير قوله رحمه الله في الإبانة:
"فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة" فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة ، فعرفونا قولكم الذي تقولون وديانتكم التي بها تدينون . قيل له : قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكلام ربنا وسنة نبينا وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ... إلى أن قال : وأن الله مستو على عرشه كما قال : ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ . ثم قال : إن قال قائل : ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له : إن الله مستو على عرشه . اهـ[5]
///
-----------------------------
[1] اسمه علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله ابن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري ، ولد سنة 260هـ وتوفي سنة 324هـ بعد أن خلف تراثا هائلا من المصنفات النافعة ، ومن أنفعها كتاب الإبانة وكتاب اللمع الكبير والصغير التي أثبت فيها معتقد السلف ورد على أهل البدع من الجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم حتى قال قائلهم :
لو لم يـصنف عـمره * غير الإبـانة واللمـع
لكفى فـكيف وقـد * تفنن في العلوم بما جمع
مجموعة تربي على المائتين * ممـا قـد صـنـع
لم يـأل في تصـنيفـها * أخذا بأحسن ما استمع
فهدى بهـا المسترشديـ * ن ومن تصفحها انتفع
وقد ذكر كتاب الإبانة عدد كثير من العلماء المتقدمين في مصنفاتهم كما حققه الشيخ حماد الأنصاري إمام أهل الحديث بالمدينة في وقته رحمه الله .
[2] انظر المنتقى من منهاج الاعتدال اختصار الذهبي ، تحقيق محب الدين الخطيب ، التعليق رقم 2 .
[3] الخطط للمقريزي 3/358-359.
[4] تاريخ أهل الحديث ص74-77.
[5] الإبانة في أصول الديانة ص52-53 و ص119.