الرسول من أوحي إليه بشرع جديد والنبي من بعث مجددا لشرع الرسل من قبله
وقال النسفي ـ رحمه الله ـ : ( … وسئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الانبياء فقال مائة الف وأربعة وعشرون ألفا فقيل فكم الرسل منهم فقال ثلثمائة وثلاثة عشر والفرق بينهما أن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر ان يدعو إلى شريعة من قبله وقيل الرسول واضع شرع والنبى حافظ شرع غيره ) ([1]) وقال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ : ( قال تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } الآية . يدل على أن كلا منهما مرسل ، وانهما مع ذلك بينهما تغاير واستظهر بعضهم أن النبي الذي هو رسول أنزل إليه كتاب وشرع مستقل مع المعجزة التي ثبتت بها نبوته ، وأن النبي المرسل الذي هو غير الرسول ، وهم من لم ينزل عليه كتاب وإنما وأوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله ، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة ، كما بينه تعالى بقوله : { يحكم بها النبيون الذين أسلموا } الآية ) ([2]) . وقال الشيخ عبدالرزاق عفيفي ـ رحمه الله ـ : ( النبي : مشتق من النبأ ، بمعنى : الخبر ، فإذا كان المراد أنه يخبر أمته بما أوحى الله إليه ، فهو فعيل ، بمعنى : فاعل ، وإن كان المراد أن الله يخبره بما يوحى إليه ، فهو فعيل ، بمعنى : مفعول ، ويصح أن يكون مأخوذا من النبء ( بالهمزة وسكون الباء ) ، أو النبوة ، أو النباوة ( بالواو ) ، وكلها بمعنى : الارتفاع والظهور ، وذلك لرفعة قدر النبي ، وظهور شأنه ، وعلو منزلته . والفرق بين النبي والرسول : أن الرسول من بعثه الله إلى قوم ، وأنزل عليه كتابا ، أو لم ينزل عليه كتابا لكن أوحى إليه بحكم لم يكن في شريعة من قبله ؛ والنبي من أمره الله أن يدعو إلى شريعة سابقة دون أن ينزل عليه كتابا ، أو يوحى إليه بحكم جديد ناسخ أو غير ناسخ ، وعلى ذلك ، فكل رسول نبي ن ولا عكس , وقيل : هما مترادفان ، والأول أصح . ) ([3])
قال الشيخ الأستاذ الدكتور عمر الأشقر : ( النبي من بعث مجددا لشرع من قبله من الرسل ؛ والرسول من بعث بشرع جديد للأتي :
الأول : أن الله نص على أنه أرسل الأنبياء كما أرسل الرسل " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ " فإذا كان الفارق بينهما هو الأمر بالبلاغ فإن الإرسال يقتضي من النبي الإبلاغ .
الثاني : أن ترك البلاغ كتمان لوحي الله تعالى ، والله لا ينـزل وحيه ليكتم ويدفن في صدر واحد من الناس ، ثم يموت هذا العلم بموته . ([4])
الثالث : أن عوام بني إسرائيل أخذ عليهم الميثاق فكيف بالأنبياء ؟. قال تعالى : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ" آل عمران (187) .
الرابع : ومن الأدلة القاطعة كذلك ما أخرجه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ …. " ([5]) فهذا النبي معه الرهط من أتباعه فكيف يتبعوه لولا البلاغ ؟ .
الخامس : وقد كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما مات نبي قام نبي آخر أخرج البخاري عن أَبَي هُرَيْرَةَ قال : قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي …" قال الحافظ ـ رحمه الله ـ ( قوله : ( تسوسهم الأنبياء ) أي أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث الله لهم نبيا لهم يقيم أمرهم ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة ) . وقال تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) " البقرة ، علم هذا النبي بأمر طالوت بالوحي ثم بلّغ أمر ربه جل وعلا ، وقال تعالى : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112) " الأنعام
------------------------------
([1]) تفسير النسفي ـ 3/ 108
([2]) أضواء البيان ـ محمد الأمين الشنقيطي 5/735 .
([3]) فتاوى ورسائل الشيخ عبدالرزاق عفيفي ـ وليد بن إدريس بن منسي والسعيد بن صابر عبده 2/79 .
([4]) الرسل والرسالات ـ عمر الأشقر ـ 14 .
([5]) أخرجه البخاري كتاب الطب ـ باب من لم يرق ـ رقم : 5752 .