الجواب على من قال أنه لا فرق بين النبي والرسول
وفي تفسير مجاهد عند قول الله تعالى في سورة مريم { وكان رسولا نبيا } قال : النبي هو الذي يكلم وينزل عليه ولا يرسل ، والرسول هو الذي يرسل . وقد قال سفيان الثوري إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به .وعلى هذا فقول مجاهد في تفسير الآية من سورة مريم يحتمل أنه مما أخذه عن ابن عباس رضي الله عنهما والله أعلم . قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ في كتب الإيمان : ( وعطف الشيء على الشيء في القرآن وسائر الكلام يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الذي ذكر لهما ) . قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( ولم يبق في الآية الكريمة المسئول عنها إشكال إلا ما يقتضيه ظاهرها من رسالة الرسول ورسالة النبي المغاير للرسول ، إذ معنى الكلام { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا أرسلنا من قبلك من نبي } فما عليه أكثر العلماء من أن النبي أعم من الرسول مطلقا وأن الرسول أخص من النبي مطلقا ، وأن النبي هو من أوحي إليه وحي أمر بتبليغه أم لا ؟ والرسول من أوحي إليه وأمر بالتبليغ خاصة لا تساعده هذه الآية الكريمة لأنها تقتضي رسالة الرسول ، ورسالة النبي المغاير للرسول ، وللعلماء عن هذا الإشكال أجوبة بتعين حمل المعنى على بعضها منها أن الرسول هو الذي يأتيه جبريل بالوحي عيانا ، والنبي هو الذي تكون نبوته إلهاماً أو مناماً ، ومنها أن الرسول من بعث بشرع جديد ، والنبي من بعث لتقرير شرع من قبله كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يوحى إليهم أن يعملوا بما أنزل قبلهم في التوراة . ومنها أن الرسول من بعث بكتاب ، والنبي من بعث بغير كتاب ، وعلى كل من هذه الأوجه فلا إشكال في الآية الكريمة([1]) ) قال الألوسي 17 / 173 : وعطف نبي على رسول يدل على المغايرة بينهما وهو الشائع ويدل على المغايرة أيضا ما روي أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الأنبياء فقال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قيل فكم الرسل منهم قال ثلثمائة وثلاثة عشرة جما غفيرا وقد أخرج ذلك كما قال السيوطي أحمد وابن راهوية في مسنديهما من حديث أبي أمامة وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث أبي ذر وزعم ابن الجوزي أنه موضوع وليس كذلك نعم قيل في سندع ضعف جبر بالمتابعة وجاء في رواية الرسل ثلثمائة وخمسة عشر واختلفوا هنا في تفسير كل منهما فقيل الرسول ذكر حر بعثه الله تعالى بشرع جديد يدعو الناس إليه والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام وقيل الرسول ذكر حر بعثه الله تعالى إلى قوم بشرع جديد بالنسبة إليهم وإن لم يكن جديدا في نفسه كإسماعيل عليه السلام إذ بعث لجرهم أولا والنبي يعمه ومن بعث بشرع غير جديد كذلك وقيل الرسول ذكر حر له تبليغ في الجملة وإن كان بيانا وتفصيلا لشرع سابق والنبي من أوحى إليه ولم يؤمر بتبليغ أصلا أو أعم منه ومن الرسول وقيل الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه والنبي غير الرسول من لا كتاب له وقيل الرسول من له كتاب أو نسخ في الجملة والنبي من لا كتاب له ولا نسخ وقيل من يأتيه الملك عليه السلام بالوحي يقظة والنبي يقال له ولمن يوحى إليه في المنام لا غير وهذا أغرب الأقوال ويقتضي أن بعض الأنبياء عليه السلام لم يوح إليه إلا مناما وهو بعيد ومثله لا يقال بالرأي وأنت تعلم أن المشهور أن النبي في عرف الشرع أعم من الرسول فإنه من أوحى إليه سواء أمر بالتبليغ أم لا والرسول من أوحي إليه وأمر بالتبليغ ولا يصح إرادة ذلك لأنه إذا قوبل العام بالخاص يراد بالعام ما عدا الخاص فمتى أريد بالنبي ما عدا الرسول كان المراد به من لم يؤمر بالتبليغ وحيث تعلق به الإرسال صار مأمورا بالتبليغ فيكون رسولا فلم يبق في الآية بعد تعلق الإرسال رسول ونبي مقابل له فلا بد لتحقيق المقابلة أن يراد بالرسول من بعث بشرع جديد وبالنبي من بعث لتقرير شرع من قبله أو يراد بالرسول من بعث بكتاب وبالنبي من بعث بغير كتاب أو يراد نحو ذلك مما يحصل به المقابلة مع تعلق الإرسال([2]) .) وقال ابن جزيء الكلبي الغرناطي في تفسيره في الكلام على قول الله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } الآية : [ النبي أعم من الرسول فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا فقدم الرسول لمناسبته لقوله وما أرسلنا وأخر النبي لتحصيل العموم لأنه لو اقتصر على رسول لم يدخل في ذلك من كان نبيا غير رسول ] انتهى . وأما الدليل من السنة ففي عدة أحاديث أحدها ما رواه الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضؤك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول " فقلت أستذكرهن : وبرسولك الذي أرسلت قال " لا ، ونبيك الذي أرسلت " ، وفي رواية الترمذي قال البراء فقلت وبرسولك الذي أرسلت قال فطعن بيده في صدري ثم قال " وبنبيك الذي أرسلت " . وهذا الحديث صريح في التفريق بين الرسول والنبي وقد استدل به غير واحد من أكابر العلماء على التفريق بينهما ، وقد تقدم كلام القرطبي في ذلك تقريبا . وقال الخطابي : [ والفرق بين النبي والرسول أن الرسول هو المأمور بتبليغ ما أنبئ وأخبر به ، والنبي هو المخبر ولم يؤمر بالتبليغ ، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا . قال ومعنى رده على البراء من رسولك إلى نبيك أن الرسول من باب المضاف فهو ينبئ عن المرسل والمرسل إليه فلو قال ورسولك ثم قال الذي أرسلت لصار البيان مكررا معادا ، فقال ونبيك الذي أرسلت إذ قد كان نبيا قبل أن يكون رسولا ليجمع له الثناء بالإسمين معا ويكون تعديدا للنعمة في الحالين وتعظيما للمنة على الوجهين ] انتهى وقد نقله عنه ابن الاثير في جامع الأصول وأقره …… ) إلى أن قال : وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في قوله وبرسولك الذي أرسلت قال " لا وبنبيك الذي أرسلت " وقال ابن كثير في تفسير سورة الأحزاب عند قول الله تعالى { ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } [ فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كل رسول نبي ولا ينعكس ) . وقال ابن كثير أيضا في تفسير سورة المدثر بعد ما قرر أن أول من نزل من القرآن أول سورة { أقرأ } قال : [ وقوله تعالى : { قم فأنذر } أي شمر عن ساق العزم وأنذر الناس وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة ). الترجيج : هذا سرد للآراء ظهر لنا فيه كثرة الأقوال وأنها كلها اجتهادية و تستطيع أن نقول بأن الفرق ثابت بين النبي والرسول ولا مجال لنفيه حيث يوجد ما يقوي إثباته من حديث أبي ذر الذي أقل ما يقال فيه بأنه يستأنس به استأناساُ . إن لم يكن دليلا قاطعا . ولكن تحديد الفرق هو الشيء الذي لا نستطيع الجزم به حيث لا دليل يمكن الجزم به ، ولكن لعلنا من واقع ما مر معنا من أقوال نستطيع أن نعرّف النبي والرسول بهذين التعريفين التقريقبيين فنقول وبالله التوفيق : الرسول : من أرسل إلى قوم مخالفين أو كافرين ، ويدعو الناس إلى شرعٍ معه ، ويكذبه بعض قومه ويخاصمونه وهو مأمور بالتبليغ والإنذار ، وقد يكون معه كتاب ـ وهو الأقرب ـ وقد لا يكون ، وقد يكون شرعه جديدا وقد يكون مكملا لشرع سابق ـ أي فيه زيادة ونسخ ـ . أما النبي فهو : أوحي إليه ويبعث في قوم مؤمنين يحكم بشريعة سابقة له يدعو إليها ويحييها ، وقد يؤمر بالتبليغ والإنذار ، وقد يكون معه كتاب . هذا ما منّ الله تعالى به ، والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من ى نبي بعده وبعد . ------------------------------------- ([1]) رحلة الحج إلى بيت الله الحرام محمد الأمين الشنقيطي ص136-137 . ([2]) روح المعاني لتفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ـ محمود الألوسي ـ دار إحياء التراث العربي