تحقيق التوحيد
ومن هنا فإننا نعرض أولاً لقضية مهمة جداً ألا وهي: ما معنى تحقيق التوحيد؟ وتحقيق التوحيد الذي يعلمه الجميع والحمد لله مقتضاه أن يحقق الإنسان شهادة أن لا إله إلا الله بأركانها وشروطها، فكون الإنسان ينطق بهذه الكلمة ويقول: لا إله إلا الله، وكون هذا الإنسان يعود من كفر ومن شرك ومن انحراف وإلحاد ومن جاهلية بمجرد أن يعلن إسلامه وينطق بكلمة التوحيد، نقول إن هذه النقلة لها مقتضى عظيم جداً، وليست مجرد كلمة تقال باللسان. ولا إله إلا الله تقتضي أول ما تقتضي أمرين متلازمين لا بد منهما:
الأمر الأول: أن ينفي الإنسان أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، فلا يصرف أي نوع من أنواع العبادة سواء كان صلاة أو نذراً أو حباً أو خوفاً أو توكلاً أو دعاء أو استغاثة أو استعاذة أو توسلاً..
أو غير ذلك، لأي شيء من المخلوقات، سواء كان ذلك المخلوق ملكاً، أو نبياً، أو ولياً، أو رجلاً صالحاً، أو نجماً، أو حجراً، أو شجراً..، أو غير ذلك، وهذا الأمر لا يتم إلا بالأمر الثاني ألا وهو..
الأمر الثاني: أن يصرف أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له، فهما ركنان دلت عليهما هذه الكلمة لا إله إلا الله، فلا إله: نفي، إلا الله: إثبات، فهي تنفي صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، ثم تثبت تلك الأنواع كلها لله وحده لا شريك له. ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ* وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:104-107] أقم وجهك للدين حنيفاً بعبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة والبعد من الشرك وأهله. ومن هنا فإن هذه الكلمة يالتي تقتضي ما ذكرناه سابقاً، وذلك بهذين الركنين العظيمين مع شروط لا إله إلا الله المعروفة: علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها هذه الشروط السبعة إذا تكاملت عند المؤمن علماً وعملاً فإنه والحالة هذه يكون قد حقق هذا التوحيد العظيم، ولكن ينبغي أن نعلم أيها الإخوة في الله أن مقتضي التوحيد الذي ذكرناه سابقاً يلزم منه أمر مهم جداً، ألا وهو البعد عن الشرك بجميع أنواعه، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] أي: اعبدوا الله وحده لا شريك له، واجتنبوا الطاغوت بجميع أشكاله وصوره، وهذا يشمل اجتناب الإنسان الشرك الأكبر والشرك الأصغر.