أدب تقديم الضيافة، والبدء فيها بالأكبر أوالأعلم ثم من على يمينه


عبد الفتاح ابو غدة

 
السابقالتالى

مقالات مرتبطة بـ أدب تقديم الضيافة، والبدء فيها بالأكبر أوالأعلم ثم من على يمينه

  • قسم الآداب الإسلامية السؤال السابع

    يزن الغانم

    آداب الضيافةس: ما هي آداب الضيافة والضيف؟ج- 1- أجيب من دعاني إلى ضيافته. 2- إذا أردت زيارة أحد أطلب الإذن

    06/03/2022 800
  • فضل الضيافة وإحياء الأرض

    الشيخ محمد صالح المنجد

      الحمد لله الذي لا إله إلا هو الكريم المنان مالك الملك، المال ماله، والخلق خلقه سبحانه وتعالى، وصلى الله

    11/05/2014 2486
  • صِفَةُ الصَّلاةِ (5/5)

    د. فخر الدين بن الزبير المحسي

    (51)  ويقبض أصابع كفه اليمنى، ويضع إبهامه على إصبعه الوسطى أحياناً، وأحياناً يحلق بالإبهام والوسطى حلقة.

    28/06/2022 869
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day

قدم الكبير وذا الفضل في الضيافة والتكريم ،فابدأ به قبل غيره ، ثم من على يمينه في المجلس ، عملا واتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ودليل ذلك

-إضافة إلى الحديثين السابقين : 'كبركبر'، و'ليس منا ه لم يوقر كبيرنا'- أحادث كثيرة جدا ، وإليك جملة منها:

روى مسئم في 'صحيحه 'في (باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما) : 'عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا إذا دعينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى طعام ، لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده '.

وقد عقد الإمام النووي رحمه الله تعالى، في كتابه 'رياض الصالحين 'بابا خاصا في هذا الموضوع وأورد فيه طائفة كبيرة من الأحاديث ، أقتصر هنا على ذكر أكثرها، وعنونه بقوله : 'باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ، ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم:

قال الله تعالى: 'قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟ إنما يتذكر أولو الألباب' .

عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله'، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة،فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا'. رواه مسلم .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 'ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم '. رواه مسلم .

وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، يعني في القبر، ثم يقول : أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه فى اللحد. رواه البخاري .

وعن ابن عمررضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أراني في المنام أتسوك بسواك ، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الاخر، فناولت السواك الأصغر، فقيل لي :كبر ، فدفعته إلى الأكبر منهما . رواه مسلم .

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط رواه أبو داود وهو حديث حسن .

وعن ميمون بن أبي شبيب رحمه الله تعالى، أن عائشة رضي الله عنها مر بها سائل ، فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة، فأقعدته فأكل ، فقيل لها في ذلك ؟ فقالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزلوا الناس منازلهم . - رواه أبو داود والحاكم في 'معرفة علوم الحديث ' وقال : هوحديث صحيح .

وعن أبي سعيد سمرة بن خندب رضي الله عنه قال : لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما، فكنت أحفظ عنه ، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالا هم أسن مني . رواه البخاري ومسلم . انتهى ما أورده الإمام النووي باختصار.

فالسنة البدء بالأكبر أو الأفضل أو الأعلم . . . أي عند وجود شخص يتمميز عن سائر الحاضرين بمزية كبرالسن - مثلا - ، أو زيادة العلم ، أو نباهة الذكر، أو شرف النسب النبوي ، أو شرف الإمامة والقيادة ، أو شرف الجهاد في سبيل الله تعالى، أو شرف الكرم والجود في أبواب الخير، وأشباه هذا ، فالسنة في الضيافة والتكريم البدء به ثم بمن على يمينه أيا كان ، جمعا بين النصوص الداعية إلى البدء باليمين، والنصوص القائلة: 'كبر كبر'، و'ليس منا من لم يوقر كبيرنا . . . '، و'ابدؤا بالأكابر'، وغيرها من الأحاديث تقدمت .

وزعم بعض الناس غلطا وضعف فهم للنصوص وتنزيلها منازلها: أن السنة البدء بمن كان في أول اليمين للمضيف أيا كان ، استنادا إلى أحاديث البدء باليمين .وهذا يشرع حينما يكون الحاضرون متساوين متقاربين في الخصال أو الفضائل والسن ، فيبدأ بأول من في يمين المضيف ، أما اذا تساووا فيها وتميز أحدهم ولو بكبر السن مثلا، فيبدأ به ، لأنه وصف فيه فضيلة فيرجح بها على سواه ، فيبدأ به قبل غيره.

قال الإمام ابن رشد رحمه الله تعالى، في كتابه الحافل الجليل 'البيان والتحصيل ': 'إذا استوت أحوال المجتمعين أوتقاربت ، كانت البداية باليمين مما يستحئي مكارم الأخلاق' ، لما في ذلك من ترك إظهار ترفيع بعضهم على بعض بالتبدئة به -أي البدء به - .

وأما إذا كان فيهم العالم وذو الفضل والسن ، فالسنة في ذلك أن يبدأ به حيثما كان من المجلس ، ثم يناول هومن كان على يمينه ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أتي بلبن قد شيب -أي مزج - بماء، وعن يمينه أعرابي ، ، وعن يساره أبوبكر، فشربه ثم أعطاه الأعرابي وقال : في الأيمن فالأيمن .

ولا يعطي الذي على يساره وإن كان أحق بالتبدئة من الذي على يمينه ، لعلمه وخيره وسنه ، إلا بعد أن يستأذنه في ذلك ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أتي بشراب فشرب منه ، وعن يمينه غلام ، وعن يساره الأشياخ ، ء فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال : لا والله يا رسول الله ، لا أؤثر بنصيبي منك أحدا، فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده -أي وضعه في يد الغلام بقوة وعزم إشارة وإيذانامنه إلى أنه حقه -'. انتهى .

فالبدء باليمين مطلقا مشروع إذا لم يكن هناك وصف فاضل يقتضي التقديم لصاحبه على من سواه كما ذكرت قريبا، أما عند وجود وصف اعتبره الشارع الحنيف مزية وشرفاً وفضيلة، فالبدء بأفضل من اتصف به هو المطلوب بلا ريب.

وعلى حد القول المزعوم : سيبدأ المضيف بمن كان في أول جهة يمينه ، ولوكان أصغر الأولاد والأطفال ، أو صدر المجلس ، أو سائقا- وقد يكون غيرمسلم- أو مرافقا لوجه القوم ، أورأس العشيرة، أوتاج المجلس :العالم الجليل ، أو الأمير النبيل ، أو الجد أو الوالد أو العم الفضيل، فهل يسوغ في فقه الإسلام وأدبه : أن يترك هؤلاء العلية من القوم من البدء بضيافتهم وتكريمهم ، ويبدأ بالطفل أو الخادم أوالسائق ، ثم بمن بعده من أمثاله أوأعلى منه قليلا؟ ! وقد يكون عدد الذين على اليمين قبل كبير القوم وأفضلهم عشرة أوأكثر، فلا ينتهي المضيف إلى وجيه المجلس وصدره إلا بعد عشرة أشخاص أوعشرين شخصا!

حاشا فقه الإسلام وأدبه أن يسوغ هذا الإخلال بالأدب والتجمل الفطري . أما في حال طلب السقيا من صغير أومفضول أونحوه ، فقد صار هو صاحب الحق بإجابته والبدء به لطلبه ، ثم بمن على يمينه بعده ، ولوكان أصغر القوم وأقلهم شأنا، وإذا لحظ -عند تقديم ما طلبه إليه من الماء أوسواه - أن من هو أكبر منه أوأفضل ، له توجه إلى ما قدم إليه ، فآثره بالبدء به ، رعاية للأدب الإسلامي في الإيثار، فذاك فضل كبير قد حازه ، زاد به عطرا ، وارتفع به قدرا وأحرز به أجرا .