أسباب الرياء ودوافعه
أسباب الرياء ودوافعه
أصل الرياء حبّ الجاه والمنزلة، ومن غلب على قلبه حُبّ هذا صار مقصور الـهَمِّ على مراعاة الخلق، مشغوفًا بالترّدد إليهم، والمراءاة لهم، ولا يزال في أقواله وأفعاله وتصرّفاته ملتفتًا إلى كل ما يعظِّم منزلته عند الناس، وهذا أصل الداء والبلاء؛ فإن من رغب في ذلك احتاج إلى الرياء في العبادات، واقتحام المحظورات.
وهذا باب غامض لا يعرفه إلا العلماء بالله، العارفون به، المحبون له.
وإذا فُصِّل هذا السبب والمرض الفتاك رجع إلى ثلاثة أصول:
أولاً:حب لذّة الحمد والثناء والمدح.
ثانياً:الفرار من الذمّ.
ثالثاً:الطمع فيما في أيدي الناس([1]).
ويشهد لهذا ما جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً فأيُّ ذلك في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))([2]).
فقوله صلى الله عليه وسلم :((يقاتل شجاعة))أي ليُذكر،ويُشكر، ويُمدح، ويُثنى عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((يقاتل حمية))أي يأنف أن يُغلب ويُقهر أو يُذمّ.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((يقاتل رياءً))أي ليُرى مكانه، وهذا هو لذّة الجاه والمنزلة في القلوب.
وقد يرغب الإنسان في المدح ولكنه يحذر من الذمّ كالجبان بين الشجعان، فإنه يثبت ولا يفرّ؛ لئلا يذمّ، وقد يُفتي الإنسان بغير علم حذرًا من الذم بالجهل، فهذه الأمور الثلاثة هي التي تحرّك إلى الرياء وتدعو إليه فاحذرها!
-----------------------------
([1]) انظر: مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة، ص221-222.
([2]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، 3/272، برقم 2810، ومسلم، كتاب الصلاة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، 3/1512، برقم 1904.