أشرف ما في الإنسان قلبه
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أما بعد ..
لا شك أنّنا في أمس الحاجة للتربية الإيمانية المفتقدة ، نحتاج إلى التخلص من عيوبنا ، فالعيب فينا ، ونحن السبب في كل ما يحدث من محن وفتن ، وقد رأيت الشباب يتفقون بنسبة كبيرة على هذه الحقيقة ، لكنهم لا يعرفون كيف تكون البداية ؟
ولذلك أقترح عليكم ، دراسة ربع المهلكات من كتاب " مختصر منهاج القاصدين " للإمام ابن قدامة المقدسي ، فقد حوى خلاصة القول في هذا الموضوع .
**كتاب " مختصر منهاج القاصدين " هو مختصر على مختصر ، فمنهاج القاصدين للإمام بن الجوزي هو اختصار لكتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي .
**وقد قسم إلى أربعة أقسام ( العبادات ، العادات ، المهلكات والمنجيات )
**في قسم المهلكات يبدأ بشرح عجائب القلوب ، ومداخل إبليس في قلب الإنسان ، وكيف يثبت القلب على الخير .
**ثم يتكلم في كيفية ترويض النفس ومعالجة أمراض القلوب.
**ثم يتكلم عن فضيلة حسن الخلق وذم سوء الخلق ، وبيان الطريق إلى تهذيب الأخلاق .
ثم علامات مرض القلب وعوده إلى الصحة .
**ثم الحديث عن شهوات النفوس ، وكيف يكسر الإنسان أعظم شهوتين عنده ( شهوة البطن وشهوة الفرج )
**ثم ينتقل للحديث عن آفات اللسان ويفصل فيها تفصيلا رائعًا .
**ثم الكلام عن آفات الغضب والحقد والحسد ، وكيفية المعالجة منها .
**ثم الكلام عن ( حب الدنيا) و ( حب المال ) وما يورث من البخل والحرص والطمع .وبيان سبل العلاج والوقاية من هذا كله .
**ثم الكلام عن ( الرياء ) و ( حب الجاه والشهرة ) .
**ثم الحديث عن (الكبر والعجب والغرور ) ومعالجة ذلك كله .
**الكتاب يمتاز بالغوص في أعماق النفس البشرية ويحتاج لشرح عصري يتناسب مع الإسقاطات الواقعية التي نعيشها ، وأره عمدة لكل من يريد أن يبدأ في التربية بطريقة صحيحة .
فأعينوني بدعائكم ، لعل الله ييسر لنا ويهيء لنا من أمرنا رشدا
ويبارك في الأوقات ، ويرزقنا وإياكم السداد وراحة البال وصفاء النفس وسلامة القلب
شرح ربع المهلكات من مختصر منهاج القاصدين (1)
يقول ابن قدامة في أول ربع المهلكات :
" اعلم : أنَّ أشرف ما في الإنسان قلبه، فإنَّه العالم بالله، العامل له، الساعي إليه، المقرب المكاشف، بما عنده، وإنما الجوارح أتباع وخدام له يستخدمها القلب استخدام الملوك للعبيد .
ومن عرف قلبه عرف ربه، وأكثر الناس جاهلون بقلوبهم ونفوسهم، والله يحول بين المرء وقلبه، وحيلولته أن يمنعه من معرفته ومراقبته، فمعرفة القلب وصفاته أصل الدين، وأساس طريق السالكين "
هذه الفقرة فيها عدة فوائد :
(1) شرف وعظم قدر القلب فهو مستودع الإيمان ومحل نظر الرحمن
ففي الصحيحين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب " .
وفي صحيح مسلم : " إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم و أموالكم و لكن إنما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم "
(2) قاعدة شريفة " من عرف قلبه عرف ربه " وإذا كانت معرفة الله تعالى هي أصل الأصول ، فأحد الوسائل المهمة لذلك معرفة الإنسان بطبيعة قلبه ،
فأي القلوب قلبك ؟
هل هو قلب سليم أو سقيم أو ميت ؟
هل هو قلب زائغ أو مختوم أو مطبوع ؟.
وهناك أوصاف قرآنية للقلوب هي غاية في الأهمية ، وتحتاج لتأمل ليتعرف الإنسان على قلبه ، ويعرفه ويعرف آفاته ليسعى في إصلاحه ، وساعتها تترسخ معرفة الله في هذا القلب .
(3) خطر الجهل بطبيعة القلب ، ومن هنا تعرف لماذا مثلا لا تخشع في الصلاة ؟ لماذا يتقلب إيمانك علو وسفولا ؟ لماذا يتردد بعض الناس ويتثبت آخرون ؟ والجواب : كل هذا يرجع لطبيعة قلب الإنسان
(4) من أخطر ما في هذه الفقرة تأويل قول الله تعالى :" واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه "
فيحال بينك وبين معرفة الله لأن قلبك فسد ، فينقله من الإيمان إلى الكفر ، ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن اليقين إلى الشك ومن الشك إلى اليقين ، ومن الصفاء إلى الكدر ، ومن الكدر إلى الصفاء. وفي هذا تنبيه على أنه سبحانه مطلع على مكنونات القلوب ، مما عسى أن يغفل عنها صاحبها ، وفيه حث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها ، قبل أن يحول الله بينه وبين قلبه بالموت أو الانتكاس
نسأل الله السلامة والعفو والعافية
الواجب العملي :1- قل : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك واجعلها أكثر دعاء فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
2- اهتم بقلبك أكثر مما تهتم بمالك أو بشهواتك ، اجعل قلبك أهم ما توليه رعايتك .
3- لا تخادع نفسك بصور الاعمال وإنما حاسب نفسك على ما يصل إلى قلبك منها .
4- أدمن الاستغفار ليجلو الصدأ عن قلبك تطبيقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم .
" إن العبد إذا أخطاء خطيئة نكتت في قلبه نكته سوداء فإن هو نزع و استغفر و تاب صقل قلبه " [ رواه الترمذي وصححه الألباني ] أي جلي الصدأ عنه