أنَّ القلب بأصل فطرته قابل للهدى
دراسة ربع المهلكات (2) :
قال ابن قدامة : اعلم : أنَّ القلب بأصل فطرته قابل للهدى، وبما وضع فيه من الشهوة والهوى، مائل عن ذلك، والتطارد فيه بين جندي الملائكة والشياطين دائم، إلى أنْ ينفتح القلب لأحدهما، فيتمكن، ويستوطن، ويكون اجتياز الثانى اختلاساً كما قال تعالى: { من شر الوسواس الخناس} [ الناس : 4 ] وهو الذي إذا ذكر الله خنس، وإذا وقعت الغفلة انبسط، ولا يطرد جند الشياطين من القلب إلا ذكر الله تعالى، فإنَّه لا قرار له مع الذكر .
فوائد :هذه الفقرة
(1) طبيعة القلب التقلب بين الهداية والغواية ، وهذا مصداقه ما روى الطبراني وصححه الألباني أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّما سمي القلب من تقلبه إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة تعلقت في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن "
وعن أبي عبيدة بن الجراح قال مثل قلب المؤمن مثل العصفور يتقلب كل يوم كذا وكذا مرة [ الحلية (1/102) ]
(2) عدم اليأس من إصلاح القلب ؛ لأنَّ القلب بأصل فطرته قابل للهداية ، وإنَّما عليك أنْ تسعى في معالجة أسباب انتكاس الفطرة والزيغ ، وقد قال الله تعالى : " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " [التغابن :11]
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : " رب تقبل توبتي ، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبت حجتي ، واهد قلبي ، وسدد لساني ، واسلل سخيمة قلبي" [رواه الأربعة وصححه الألباني (3485) في صحيح الجامع ]
(3) إنَّ أعظم أسباب زيغ القلب ينشأ عن اتباع الهوى والشهوة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :" إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى" [ رواه الإمام أحمد في مسنده وصححه الألباني (52) في صحيح الترغيب ]
(4) الخطر من استيطان الشيطان للقلوب وتمكنه منها ، لأنَّ أثر الطاعات والعبادات بعد ذلك يكون قليلاً ومؤقتًا ، وهذا ما يحدث كثيرًا ويسبب حيرة للإنسان ، ولا يعرف سبب هذه المشكلة أنه قد يصلي ويتأثر أحيانًا ثم لا يجد أي أثر لهذا التأثر في حياته بعد ذلك ، وأنه قد يسمع المواعظ ويتفاعل معها ثم ما يلبث ويضيع كل ما سمعه هباءً منثورًا ، والسر في ذلك أنَّ الشيطان قد استحوذ على القلب ، والحل بمجاهدته بكثرة الذكر والتعوذ من نفثه ونفحه وهمزه حتى يخنس كما أشار المصنف .
(5) أنَّ أعظم أسباب استيلاء الشيطان على القلب هو من" الغفلة " لذلك قال الله تعالى :" ولا تكن من الغافلين " [ الأعراف :205]
وقال صلى الله عليه وسلم :" «القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض فإذا سألتم اللّه- عزّ وجلّ- أيّها النّاس، فسلوه وأنتم موقنون بالإجابة فإن اللّه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل» [رواه أحمد (2/ 177) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر في تخريج المسند (10/ 140): إسناده صحيح. وقال الهيثمي (10/ 148): إسناده حسن.]
فالواجب العملي :
(1) حافظ على فطرتك السليمة فإنها سبيلك للهداية .
(2) احرس قلبك بكثرة الذكر حتى لا يستوطنه الشيطان حال الغفلة .