الإقرار بربوبيته تعالى
وأنه هو: الخالق الرازق المحيي المميت الضار النافع، الذي بيده تصريف الأمور وتدبيرها، وهذا القدر لا بد منه، ولكنه لا يكفي؛ لأنه حتى المشركون الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، كانوا يؤمنون بربوبية الله تعالى، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه [لقمان:25] فلم ينفعهم ذلك؛ ولكن الإيمان بربوبية الله أمر لا بد منه لما بعده، فلم يؤمن بربوبية الله من أنكر وجود الله تعالى كما هو مذهب الدهرية والشيوعيين الذين لا يؤمنون بوجود الله تعالى، وربما كان عدم إيمانهم لأغراض سياسية؛ لاستمرار دولتهم وحفظ مكانتها، أو للمحافظة على هذا المبدأ الذي جاء به زعيمهم ماركس.
ومع الأسف أن يوجد من ذراري المسلمين في جميع البلاد الإسلامية -من الشباب الأغرار- من تلقفوا هذه المبادئ الكافرة، ورضعوها وآمنوا بها وتحمسوا لها، وأصبحوا دعاةً على أبواب جهنم، من أجابهم إلى هذه المبادئ قذفوه فيها.
النوع الثاني ممن لم يؤمنوا بالله رباً:هم من يعتقدون أن هناك مصرفاً مع الله عز وجل -كما يعتقد كثير من المنتسبين إلى الإسلام- كـالصوفية مثلاً، الذين يعتقدون أن من الأولياء والأقطاب والأبدال والأوتاد من لهم تصرف في شئون الكون: في الرزق، والإحياء، والإماتة، وغير ذلك.
ومثلهم -بل أشد منهم وأكثر- الرافضة الذين يعتقدون أن لأئمتهم خلافة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون، كما يقول طاغوتهم الأكبر الخميني في كتابهالحكومة الإسلامية : إن لأئمتنا خلافة تكوينية على كل ذرة من ذرات هذا الكون. فهم يعتقدون أن هؤلاء الأئمة مشاركون لله تعالى في ربوبيته.
فلا بد من الإيمان بأن الله تعالى وحده هو الرب لا شريك له في ذلك؛ ثم لا بد من تحقيق الأمر الآخر المترتب على إيمانك بربوبية الله، وهو: أن ترضى بهذه الربوبية، وأعتقد أن هناك وفرقاً بين مجرد الإقرار وبين الرضا.
فالأمر الأول: نوعٌ من الإقرار بأن الله هو الرب؛ لكن الثاني: هو الرضا بربوبيته، وقد يقول قائل:إن من أقر بأن الله هو الرب، وأن تصريف الأمور كلها بيده، لا بد أن يرضى بذلك؛ لأنه ليس له مفر من ذلك. ولكن الواقع أن الأمر ليس كذلك؛ فإن كثيراً من الناس -مع اعترافهم بأن الله تعالى هو الرب- لم يحققوا الرضا بهذه الربوبية، أرأيتم من أصيب بمصيبة في نفسه أو أهله أو ماله: من فقر أو مرض أو موت قريبٍ أو حبيب أو عقم عن الإنجاب أو فقد مال، أو ما أشبه ذلك من المصائب التي تنتاب الناس في كل حين، ففرقٌ بين أن يقر في قرارة نفسه بأن الذي قدر وقضى عليه هذه المصيبة هو الله، ثم يسخط ويتجزع ويقلق، وبين أن يرضى بالله رباً، ويعلم أن هذه المصيبة هي بإذن الله، فيرضى ويسلم.
ففرق بين هذا وذاك، بين من يقر بأنها من عند الله ولا يرضى بها -فهذا حقق الإقرار لكنه لم يحقق الرضا- وبين من يقر أنها من عند الله، ثم يرضى ويسلم.